Monday, November 05, 2007

اهو بقى

إنه العار .. لا أكثر

 
بقلم  مجدى الجلاد    ٥/١١/٢٠٠٧

الطبيعي أن أكتب اليوم عن مؤتمر الحزب الوطني.. عن الرئيس مبارك، الذي فاز بالإجماع رئيساً للحزب، رغماً عن شرذمة الـ «٩» الذين قالوا «لا».. عن جمال مبارك، المتوهج أمام عدسات الصحافة والتليفزيون.. عن صفوت الشريف، الذي قال للرئيس: «اخترناك لأنك القوي القادر والربان»..

عن أحمد عز، الذي يدير ماكينة الحزب نحو مستقبل مشرق.. عن علي الدين هلال ومفيد شهاب ومحمد كمال.. عن الطاقة النووية، التي ستدب في الجسد العليل.. عن الترتيبات الذكية لـ «الرئيس القادم»، وفقاً للدستور والقانون ولوائح الحزب.

غير أنني لن أكتب عن المواطنين: حسني مبارك.. جمال مبارك.. صفوت الشريف.. أحمد عز.. علي الدين هلال.. مفيد شهاب.. ومحمد كمال.. سوف أكتب عن مواطنين آخرين: عيد محمد شعبان.. أحمد رمضان.. إبراهيم أحمد.. سيد سعد علي.. علي شعبان.. محمد عيد رمضان.. ومحمد طلبة عبدالرحيم.. هل تعرفونهم؟!..

إنهم أبناؤنا، الذين ماتوا غرقاً في الماء البارد، قبالة السواحل الإيطالية قبل انعقاد مؤتمر الحزب الوطني بليلة واحدة.. نعم، كان الحزب الحاكم الموقر يرفع «الزينات» في مركز القاهرة الدولي للمؤتمرات، استعداداً لعرس الديمقراطية، التي فاضت علينا جميعاً.. بينما يصارع ١٨٤ شاباً مصرياً الأمواج بعد انقلاب زورقين كانا يعبران بهم من موت إلي موت.

لم نعرف بعد كم شاباً مات في الحادث، من بين ١٢٥، أعلنت السلطات فقدانهم يومها.. ربما لأن «عداد الوطن» مشغول بإحصاء إنجازات الحزب الوطني وحكومته..

فلا صوت يجب أن يعلو فوق صوت مؤتمر الحزب.. دعونا نرجئ سرادق العزاء للضحايا حتي ننتهي من أفراح، واحتفالات، وانتصارات الحزب الفاتح.. دعونا ننظر إلي نصف الكوب المملوء.. مساحة الضوء والأمل.. الثوب الأبيض الناصع..

فلا وقت للحزن والقتامة و«الغم».. ولدينا الملايين من الشبان العاطلين علي المقاهي، عوضاً عن الذين ماتوا غرباء.. بينما العرس الوطني يأتي من السنة للسنة.. وليس للحزب الوطني بديل أو «عوض».

أي قلب لهذا الوطن.. الوطن الذي جعل الحياة مثل الموت.. أو الموت أنواع وأصناف.. موت، وأنت تأكل وتشرب وتتنفس.. موت، وأنت عاطل لا تجد متسعاً في الأرض.. موت، وأنت جثة هامدة في بحر لا يرحم.. فهل كان الذين حملوا موتهم الداخلي، وامتطوا زوارق «الموت الخارجي»، يريدون أن يقولوا لنا شيئاً ظل حبيساً في أعماقهم سنوات وسنوات؟!..

هل اختاروا «الموتة الأخيرة» بعد أن ذاقوا كل صنوف الموت في بلدهم.. هل قرروا أن يتحولوا إلي وثيقة إدانة لنا جميعاً.. هل فضلوا أن يكون الحساب هناك.. حيث العدل الكامل، والحقيقة المطلقة؟!

أي واقع يمكنه أن يدفع شاباً يافعاً للهروب من بلده علي متن زورق غرق عشرات مثله، ويموت بسببه مئات كل عام؟ اطرحوا علي أنفسكم هذا السؤال.. وليس مهما أن تعثروا علي إجابة: هل هي البطالة بعد سنوات الدراسة وأحلام التحقق وطموحات الحياة الكريمة؟!

هل هو الضياع في وطن يري الإنسان أبخس ما فيه؟!، هل هو الفساد والمليارات الطائرة في سماء بلد، أغلب سكانه تحت خط الفقر؟! هل هي الحكومة التي توفر فرص العمل للشباب علي صفحات جرائدها فقط؟!، هل هو الحزب الذي أهمل التعليم في مؤتمره، وتحدث عن أمور كثيرة، ونسي أن شبابا في عمر جمال مبارك يحلمون بفرصة عمل، ولو بـ«٢٠٠ جنيه» شهريا؟!

أشعر بالخزي مثلكم.. فنحن جميعا تخلينا عن هؤلاء الشبان، انهمكنا في قضايا تافهة، وتركنا أبناءنا في عرض البحر.. تركناهم يهربون من موت إلي موت، لأنهم فشلوا في الحصول علي الحد الأدني من الحياة: أحلام بسيطة.. بيت صغير ولو ٦٣ مترا.. غرفة نوم ضيقة ولكن دافئة.. زوجة تضع رأسها علي صدر خشن، ولكن حنون.. طفل يمرح، ويلهو، ويعبث، ثم يقفز في «حجر أبيه».. فرصة عمل ترفع الرأس بين الناس.. لقمة حلال، ولو في «حلايب وشلاتين».

إنه العار الوطني.. لا أكثر!

No comments: