Tuesday, July 22, 2008

ابوك كان عاوز المنشار في اية؟

عن اللعب القديمة
بقلم ابراهيم أصلان


اتصل بي عن طريق التليفون وأخبرني أن الشاي جاهز‏,‏ وقال‏:‏
ـ انزل قبل ما يبرد‏.‏
وبعد ما لبست الشبشب وفتحت الباب‏.‏ الحاجة قالت ورائي‏:‏
ـ طيب غير الجلابية‏.‏
ولكنني نزلت‏.‏
وأنا علي السلم لاحظت أن باب شقته مازال مغلقا بعدما تصورت أنه يقف في فتحته بانتظاري‏,‏ وشعرت بالضيق وضغطت علي جرس الباب بشدة ولفترة أطول من اللازم‏.‏ وعندما فتحت ابنته المتزوجة الباب وتراجعت وهي تتهلل في وجهي‏,‏ ظللت واقفا‏.‏
كنت أعرف أنه هناك في الحجرة الداخلية‏,‏ وقلت‏:‏
ـ أمال أبوكوا فين؟
حنيئذ جاءني صوته مرحبا‏:‏
ـ تعالي يا أبو عبده‏.‏

وشعرت بأنني لم أعد متضايقا وابتسمت في وجه البنت ودخلت‏,‏ وبعد ما صافحته رأيت صينية الشاي بأعواد النعناع‏,‏ وأشعلنا سيجارتين وجلسنا صامتين‏.‏

بعد قليل جاءت حفيدته الطفلة وهي تحضن عروستها ووقفت في مدخل الحجرة تتطلع إلينا‏.‏ وراح يلاعبها بأصوات غريبة لا معني لها والبنت ظلت تتابعه في وجوم‏,‏ ثم استدارت واسرعت بالابتعاد وكنت أظنها سوف تقع علي وجهها ولكنها لم تقع‏.‏

ظل يبتسم لنفسه ثم التفت إلي وقال إنه طلب من أمها أن تحتفظ لها بكل لعبها لغاية ما تكبر‏,‏ تخيل مثلا وهي أم أو جدة‏,‏ وعندها لعبها وهي طفلة‏.‏ شيء جميل جدا‏.‏

وبعد ما مضت فترة من الصمت أضاف‏,‏ يعني تخيل مثلا لو أن الواحد مازال محتفظا بلعبة من لعبه‏.‏ ثم قال إنه يتذكر كما لو أنه كان عنده قطارا بعربات وشبابيك وعجل صغير لكنه غير متأكد‏,‏ وأضاف‏:‏
ـ يا ريتني سألت أمي عنه قبل ما تموت‏,‏ لكن للأسف الأسرار دي كلها ماتت معاها‏.‏
وأشعلنا سيجارة أخري وقال‏:‏
ـ شوف‏,‏ نفس اللي حصل معاها بالضبط‏.‏
ـ مع مين؟
ـ مع أمي‏.‏

وأخبرني أن أباه كان ذهب معها لزيارة شقيقته‏.‏ وأثناء عودتهما طلبت منه أن يسبقها لأنها ستطل علي أمها التي كانت تعيش في آخر الشارع‏,‏ هو طلب منها أن تستعير المنشار الكبير المركون وراء الباب وتحضره معها‏.‏ وعندما أحضرت المنشار وعادت وجدته يجلس علي الكنبة ميتا‏.‏ وأنا شعرت بأن الموقف صار مؤثرا‏,‏ ولكنني تصرفت بشكل عادي ووقفت وقلت‏:‏ أطلع انا بقي‏.‏

وبعد ما طلعت وقعدت علي الكنبة‏,‏ اتصل بي مرة وسألني ان كنت نمت أم لا‏,‏ وأنا أخبرته بأنني لم أنم‏.‏ وهو سألني ان كنت فاكر حكاية المنشار التي حكاها لي؟ وأخبرته‏:‏ إنني لسه فاكرها‏.‏ قال إنه انتبه الآن أن ما حدث لأمه مع أبيه‏,‏ هو الذي حدث له مع أمه‏,‏ وأنا قلت‏:‏ إزاي؟ وهو قال إن أمه ظلت طوال ثلاثة وعشرين عاما لا تتوقف عن لوم نفسها لأنها لم تسأله عن سبب طلبه للمنشار‏,‏ وكل يوم علي الله كانت تسألني‏:‏ ما تعرفش أبوك كان عاوز المنشار ليه؟‏,‏ وأنا أقول لأ‏.‏ يعني إذا كانت هي ما سألتوش عن المنشار‏,‏ أنا ما سألتهاش عن القطر الصغير‏.‏
ـ إزاي الكلام ده؟
قال‏:‏ طيب اسمع السر ده بقي‏,‏ وهمس في السماعة إنه سمع أمه قبل أن تموت مباشرة وهي تقول لنفسها‏:‏
ـ يا تري كنت عاوز المنشار ليه يا مرزوق؟
ـ لأ يا راجل؟
قال‏:‏ زي ما باقول لك كده‏.‏
وأغلق الخط‏.‏






No comments: