Thursday, September 06, 2007

maokef

هل يجوز إهمال العمل بحجة الصلاة؟

 
بقلم  د. كمال مغيث    ٦/٩/٢٠٠٧

لقد كرم القرآن الكريم العمل والعمال في عشرات المواضع من

آياته المقدسات. كما كرمته أيضا السنة النبوية الشريفة، فقد فضل رسول الله - صلي الله عليه وسلم - الأخ العامل عن أخيه المنقطع للعباده بقوله: «أخيه أعبد منه». كما قبل اليد التي تصور صاحبها أن خشونتها من العمل الشاق قد تؤذي الرسول ورفعها إلي أعلي وهو يقول : «هذه اليد يحبها الله ورسوله». وقيل في الأثر إن العمل عبادة. ويروي عن الإمام مالك قوله لتلميذه الذي قام عن الدرس إلي الصلاة: «ما الذي قمت إليه بأحق من الذي قمت عنه !»..

ويعلم المهتمون بالفقه الإسلامي أن هناك أبوابا لا تحصي من التيسير علي عباد الله في عباداتهم. فيجب التيمم إذا ندر الماء، ونفطر رمضان إذا كنا نعاني الضعف أو المرض أو الشيخوخة، ونأكل ونشرب ماحرم الله إذا خشينا علي أنفسنا الهلاك، ونعفي من فريضة الحج إذا كان لدينا بنات أو أبناء في حاجة إلي أموالنا، كما يجوز تقديم الصلوات أو جمعها أو قصرها، إذا كنا في سفر.

كما يجوز جمع الصلوات بعضها إلي بعض إذا كأن ذلك لضرورة وقد أرست مبادئ أصول الفقه القواعد لذلك. فالضرورات تبيح المحظورات.

وحسم الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ موقف المسلمين من إتيان تلك الرخص بحديثه الشريف «إن الله يحب أن تؤتي رخصه، كما تؤتي فرائضه». أو عزائمه ـ في قول آخر.

فلماذا راح المسلمون يتركون العمل إلي الصلاة، رغم ما منحهم الله من رخص، ونشاهد ونسمع في ذلك الأعاجيب. فالحلاق يترك صديقي الزبون بعد أن قص له نصف شعره ليلحق صلاة الجماعة، وسائق التاكسي يترك زوجتي وامها وهما في طريقهما إلي الطبيب بداخل التاكسي للصلاة، وأصبحت معظم المؤتمرات وورش العمل تتعطل للصلاة، وتحولت طرقات الوزارات والمصالح الحكومية إلي مصلات تؤدي فيها صلاة الظهر والعصر حاضرا.

ولعلنا نذكر المشهد الرائع بين عادل إمام وأحمد عقل في فيلم «الإرهاب والكباب»، وفي زيارة لإحدي الوزارات اضطررت للجلوس علي السلم أنا وبعض الضيوف لأن المصلين لم يتركوا ولو ممرا صغيرا للمرور من خلفهم، وبينما أيقظتني ابنتي فجرا علي مغص كلوي حاد يمزق أحشاءها فتوجهت بها إلي مستشفي قصر العيني الفرنساوي ونضطر للوقوف علي الباب لأن موظف الطوارئ في الصلاة،

 بينما صرخات الفتاة تمزق سكون الليل، وقد شهدت بنفسي كيف تحولت الحديقة الفسيحة بجوار مبني الوزير في إحدي الوزارات المهمة بالمبتديان إلي ساحة يتجمع فيها مئات الموظفين للصلاة ظهر كل يوم وكأنهم في صلاة الجمعة أو صلاة العيد، غير أن مايدعو للأسي ماذكره صديقي الدكتور أسامة عبد الحي وهو أستاذ تخدير فيقول إنه في غرفة العمليات بينما تتوقف حياة الإنسان علي نفس يخرج فلايعود، يفاجئ بالأطباء يتركون المريض علي طاولة الجراحة مفتوح القلب أو الصدر والبطن نازفا ومعلقا بالأجهزة ليلحقوا الجماعة.

 وأنا أعرف فضل صلاة الجماعة ولكن إذا كان لصلاة الجماعة كل هذا الفضل فلماذا كانت الرخص التي أشرنا إليها ؟ وكيف لا يجد كل هؤلاء في التضحية بمصالح المرضي والأيتام وذوي الحاجات منهم ما يغضب الله ؟

خاصة وقد تحولت مصلات المصالح إلي أماكن مناسبة للهروب من واجبات الوظيفة ومقتضياتها حتي لمن لا يؤدي الصلاة وهو في بيته بلا عمل.

إن العمل في العصر الحديث ليس هو التجارة أو الزراعة أو الرعي الذي عرفه المسلمون الأوائل وإنما هو عمل مؤسسي حديث علي أسس مختلفة، وأساسه التعاقد بين المؤسسة والعامل أو الموظف علي اداء عمل معين لساعات معينة.

 حتي ولو لم ينص في التعاقد أو قرار التعيين علي ذلك - وفي الدول التي تحترم العمل والقانون وهيبة الدولة يضطر العامل للضغط علي زر حين يهم بترك مكتبه أو الآلة التي يعمل عليها مؤذنا بغيابه لأي طارئ أو لتدخين سيجارة أو حتي للذهاب لقضاء الحاجة، حتي يمكن حساب الدفائق التي غابها الموظف وخصمها من أجره المستحق في نهاية الشهر.

ويعلم الجميع كيف ينتظر شبابنا فرصة التوظف في القطاع الخاص أو المؤسسات الخاصة لعشرات السنين مقابل بضع عشرات من الجنيهات في ظروف عمل لاترحم حيث يحاسبون بكل قسوة علي دقائق غابوها لسبب أو لآخر.

إنني اعتقد والحال كذلك أن في ترك العمل للصلاة مظهراً من مظاهر التسيب والإهمال وغياب الإنضباط والمحاسبة والقانون وغيرها من سمات الدولة الرخوة، وهو أيضا مظهر من مظاهر الانتهازية، فالعبادة هنا اقتطع وقتها من حق الناس والدولة، فضلا عن كونه مظهرا للكسل والإهمال، وتدمير هيبة الدولة والخروج علي القأنون. بالإضافة إلي كونه مظهراً من مظاهر الهيمنة السياسية والسيطرة علي المصالح والمؤسسات لتيار الإسلام السياسي.

وهو كذلك من تجليات الفقه المتشدد والبدائي ـ فقه الوهابية ـ وبلاد الريع والرزق بلا مجهود وليس بلاد العمل والجهد والدأب والنظام، مثله في ذلك مثل فقه النقاب والهوس بالجنس والتفتيش في ضمائر الناس، والتمييز بين المواطنين علي أساس الدين. وهذا الفقه كله لم تعرفه بلادنا قبل ربع القرن الاخير حين كانت لدينا دولة وقانون ونظام.

وفي النهاية فإنني أتقدم بعنوان هذا المقال كسؤال إلي فضيلة مفتي الجمهورية وشيخ الازهر وأعضاء مجمع البحوث الاسلامية، وأعتقد أن الاجتهاد في هذا أفضل عند الله من مطاردة الشعراء، وبعث الغريب والشاذ من مأثورنا الديني

No comments: