Thursday, September 13, 2007

يا لهووووووووووي

التدهور المهني وأسبابه

بقلم د.كمال مغيث ١٣/٩/٢٠٠٧

عندما دخل السلطان سليم الأول مصر بعد هزيمة المماليك في معركة الريدانية سنة ١٥١٧، هاله ما شاهد في القاهرة من آيات الفن والجمال والتمكن في مختلف المهن والصناعات، ولذلك طلب من قواده السطو علي ما يقرب من ثلاثة آلاف من مهرة الفنانين والصناع لاصطحابهم معه إلي الاستانة ـ القسطنطينية التي كانت عاصمة الإمبراطورية البيزنطية قبل أن يستولي عليها محمد الفاتح ١٤٥٣.

وهكذا اصطحب معه مهرة المعلمين والاسطوات: كتاباً وخطاطين ورسامين ونقاشين ومذهبين ووراقين ومعماريين وبنائين ونجارين وصاغة للذهب والفضة ونحاسين ومرخمين وزجاجين ونساجين وغيرهم من رؤوس كل صنعة وفن.

ولا شك أن مهارتنا كمصريين إرث قديم منذ العصور الفرعونية تشهد علي ذلك عشرات المنتجات من الآثار في عشرات متاحف العالم.

فما الذي حدث لنا ولماذا تدهورت قدراتنا المهنية والفنية، بحيث أصبحنا في كثير من الحالات أضحوكة ومثلا للتندر بين من علمناهم كيف يكتبون ويقرأون منذ عقود من الزمان.

من كان يصدق مثلا أننا لا نستطيع أن نتأكد من أن الحاصل علي الشهادة الإعدادية أو علي دبلوم التجارة والصناعة في بلادنا يجيد مجرد القراءة والكتابة.

ومن كان يصدق أن يكون أستاذ الجامعة من المتعصبين والمتطرفين ومحدودي الثقافة والفكر والأفق والمعادين للفنون والحضارة والتقدم، ومن يحتك بالعديد من كليات الجامعة سيجد أساتذة لا يفهمون في تخصصاتهم ومهنهم ولا يعنيهم منها سوي شكليات الإدارة والتدريس والإشراف ولا يهتمون سوي ببيع الكتب والمذكرات، وربما الامتحانات وجمع ما تدره عليهم من أموال، فيما اصطلح علي تسميته بـ « لم الغلة».

ومن كان يصدق أن يتولي رئاسة تحرير بعض الصحف، ويجلس علي نفس المقعد الذي جلس عليه محمد حسين هيكل وطه حسين والتابعي وأحمد بهاء الدين وحسنين هيكل من لم يسعدنا الحظ بمطالعة مقال لهم قبل أن يعين رئيسا للتحرير، وأصبحنا نجد صحفيين يخطئون في الإملاء ولا يعرفون كيف يبدأون جملة صحيحة وكيف ينهونها، وانظر مثلا إلي ما تنشره صفحات الحوادث في الصحف عن جرائم الأطباء وأخطائهم الفادحة.

وإذا استقللت تاكسي للذهاب إلي عملك ستجد سائقه، وقد غضب وكشر إذا ركبت في المقعد الخلفي أو إذا لفت نظره إلي عدم نظافة المقعد أو إلي اعتراضك علي سماع ما يذيعه كاسيت السيارة من مواعظ جاهلة أو موسيقي صاخبة، وهذا كله يعني أن سائق السيارة لا يعرف مهنته ولا يميز مقتضياتها.

وفي مجال الفن ستجد مطربات كان الأحري بهن أن يعملن راقصات، وراقصات كان الأحري بهن أن يعملن بائعات هوي وممثلين ثقلاء الدم عديمي الموهبة دفعهم إلي الشاشة قدر كبير من الوقاحة وانعدام المعايير، مما سنشير إليه لاحقا، ومطربين لا يملكون من حلاوة الصوت أو الثقافة والموهبة أي قدر ويفخرون بأنهم كانوا إلي عهد قريب مجرد عجلاتية ومكوجية وسباكين.

وقل مثل ذلك في مختلف المهن والفنون والتخصصات عملية وفنية كانت أو نظرية وثقافية، وأنا أظن أن هناك أسباباً عديدة لذلك التهور المهني ومنها حركة الجيش المباركة في يوليو ١٩٥٢، والتي راحت تكافئ أنصارها في تعيينهم في وظائف ومناصب لم يعدوا لها من الأساس، وهكذا تولي ضابط وزارة التعليم وآخر وزارة الإعلام وثالث وزارة الثقافة، وغير ذلك من وظائف إدارية وفنية.

غزو الفكر والثقافة الوهابية سواء تم ذلك عن طريق الإعلام والوعاظ أو عن طريق العائدين من العاملين في بلاد النفط، حيث تروج تلك الثقافة لمفهوم الرزق والريع كمصدر للكسب في بلاد تعيش علي ما تخرجه الأرض من نفط، بدلا من مفهوم العمل والجهد والصنعة الذي عشنا عليه في بلادنا لآلاف السنين.

الفقر والبطالة: فطالما أن هناك بطالة وهناك فقر، فما الذي يمنع أن يعمل خريجو كليات الزراعة والتجارة نقاشين ومبلطي قيشاني وما الذي يمنع أن يعمل حملة دبلوم الصنايع معلمين للغة الإنجليزية، وأن يعمل المحامون في شركات السياحة وفي الفنادق، فليس المهم أن يكون هناك عمل يناسب ما يحمله الإنسان من شهادات وما أعد له من مهارات إذ إن المهم فقط أن يكون هناك عمل يقي الإنسان الحاجة وذل السؤال.

سياسة التعيين بالقوي العاملة: ولا شك أن تلك السياسة كان لها ما يبررها عندما كان هناك خطة قومية توازن بين ما هو متاح من ميادين للعمل وما يمكن إعداده من خريجين، ولكن بعد اختفاء التخطيط القومي أصبح التعيين بالقوي العاملة نوعاً من تقديم المعونة لمن ينتظرون العمل من الفقراء بصرف النظر عن مناسبة المهن للخريج أيضا.

أما آخر تلك الأسباب فهو التوريث: إذ أصبح الكثيرون من العاملين والمتنفذين والأساتذة يرون في مناصبهم ومراكزهم إقطاعا يعملون علي توريثه لأبنائهم هكذا أصبح أولاد الصحفيين يعملون بالصحافة، وربما في نفس الصفحات وأصبح أولاد الفنانين فنانين، حتي إذا كانوا عديمي الموهبة، وكذلك أولاد الضباط والقضاة وغيرهم وتذخر كذلك صفحات الصحف بالكثير من الأعاجيب من الجرائم في سبيل توريث المهن والوظائف، أما آثار ذلك علي مستقبلنا فهو ما يحتاج إلي نقاش اجتماعي واسع


No comments: