Thursday, July 12, 2007

الطوفان<سيفون زمااااان>

الطوفان

 
بقلم  خيري رمضان    ١٢/٧/٢٠٠٧

أعرف جيدا أن الشباب المصري غاضب محتقن، يائس، لكني لم أتخيل أبدا أنه وصل إلي هذا الحد من الغليان والتمرد والرفض، ليس فقط للنظام أو الحزب الوطني، أو الحكومات المتعاقبة، أو الأحزاب جميعها والحركات والإخوان المسلمين، وإنما وصلت الكراهية والهجوم علي اسم مصر، في خلط شديد بين الوطن الأرض والسماء، الهوية والانتماء، وبين عدد من البشر يحكمون ويتحكمون، ومهما طال بقاؤهم يذهبون إلي حيث يذهب الجميع، ويبقي الوطن شامخا مستحقا محبة أكبر ودفاعا وتضحية أكثر.

ما إن نشرت في مقالي السابق رسالة الشاب الغاضب «مصر ومصر» حتي انهمرت علي «بريدي الإلكتروني» وعلي هاتفي رسائل تفور ثورة وغضبا، من شباب من الجنسين، كلها تتحدث فيما نعرفه ونراه ونلمسه، محبطين لأنهم لا يجدون عملا، ولا يتزوجون، ويرون الفساد والإهمال في كل مكان، لا وظيفة دون محسوبية، لا شقة دون رشوة.

يسمعون كلاما مثل الأغاني عن المستقبل الزاهر، وعن إنجازات الحزب الوطني لا تنتهي ولا تتوقف، يرون مصر تباع شبرا شبرا لمستثمرين عرب وأجانب، يرون المليارات في الصحف تصب في جيوب الحكومة، ثم يجدون أنفسهم عطشي بلا مياه، مهانين في وسائل مواصلات غير آدمية، يرون الانكسار والذل في عيون آبائهم تكشف عجزهم وضعفا عن تلبية أبسط حقوقهم الآدمية.

الشباب يئس من الحزب الوطني وحكوماته، ويئس من جدوي الأحزاب الهامشية التي أدمنت الكلام والانسحاب، ولن يذهبوا إلي «الإخوان المسلمين»، بعدما اكتشفوا أنهم يشاركون في لعبة سياسية هزيلة، الهدف منها تحقيق أكبر قدر من المكاسب والحفاظ علي الوجود من أجل أهداف سياسية مغلفة بشعارات دينية.

الشباب في فورة غضبه ـ وأعرف جيدا أنها مشاعر غير حقيقية وانفعالية ـ يعربون عن استعدادهم للتعاون مع إسرائيل حتي يهربوا مما هم فيه، أو للتعبير عن غضبهم من وطنهم الذي خذلهم.

يرون أن موتهم في عرض البحر وهم يحاولون الهروب من مصر، أو يقعون أسري في أيدي عصابات التهريب، فالموت مع الحلم، أفضل من الموت مع اليأس.

لا تلوموا هؤلاء الشباب، فهم معذورون، يحتاجون إلي عقول واعية، إلي قلوب محبة، لا إلي لصوص ومدعين وخطباء، يحتاجون إلي من يقول لهم متي وأين سيجدون وظيفة بعد دراسة ١٦ عاما؟ ومتي سيتزوجون ويمارسون حياتهم الطبيعية؟ لن يقتنعوا أبدا أن المستقبل سيكون أجمل عام ٢٠٥٠.

الشباب في مصر، فقد ثقته في كل من وما حوله، ويحتاج إلي وجوه جديدة ولغة جديدة، لا تعرف النفاق أو الخداع، ولا تطالبهم بالتغني بحب مصر، فالجائع والخائف لا يعرف إلا البكاء، والبكاء طال حتي جفت الدموع، والخطر الحقيقي علي هذا الوطن يبدأ حيث تنتهي الدموع، وتقسو القلوب.

فيا خوفي من يوم يفاجأ به السادة المسؤولون، قاطنو القصور علي حدود القاهرة، بعيدا عن العشوائيات، مالكو فيلات مارينا والساحل الشمالي والمقطم، بهؤلاء الشباب داخل بيوتهم.. هل يلتفت أولو الألباب ـ إذا وجدوا ـ قبل الطوفان

No comments: