Sunday, July 15, 2007

اللون المحمحي

فى الممنوع

 
بقلم  مجدى مهنا    ١٥/٧/٢٠٠٧

أول مرة أسمع فيها كلمة «محمحي» من الفنانة التشكيلية السعودية شاليمار الشربتلي.. وهي كلمة مكونة من خمسة حروف «الميم والحاء.. ثم الميم والحاء.. وأخيرا الياء» وهي صفة تطلق علي أحد الألوان التي لا تستطيع أن تحدد ملامحه بدقة.. أو كما تقول شاليمار هو اللون «المترب» أو «الترابي» غير الواضح مثل قطعة القماش التي تتداخل ألوان الأصفر والكاكي والبني والبرتقالي فيها، هي عبارة عن خليط من كل هذه الألوان.. وهذا الخليط أو العك يسمي «المحمحي».. أي اللون عديم الشخصية.

ذكرتني هذه الكلمة بأشياء كثيرة نعيشها في الواقع.. فالعلم المصري مثلا ذو الألوان الثلاثة الواضحة.. الأحمر والأبيض والأسود، لم يعد كذلك، إنما أصبح لونه «محمحي».. أي أصبح بلا شخصية وبلا تأثير في الواقع، وسياسات بلادي الخارجية هي أقرب إلي اللون المحمحي.. التي لا تعرف لها لونا أو طعما أو رائحة.. فنحن مع السلام، لكن أين السلام؟.

عندما زأر وزير خارجية مصر أحمد أبوالغيط ـ من زئير الأسد ـ وأعلن تحذيره للأمريكيين: إذا لم تتوقفوا عن ممارسة ضغوطكم علينا، فإن الشعب المصري سوف يغضب.. وهو عندما يغضب يتحول إلي وحش كاسر!.

يا حفيظ.. يا مغيث! هكذا قالت كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية، عندما استمعت إلي تحذير أبوالغيط! بماذا تسمي ذلك؟ أليس هو «المحمحي» بعينه!.

الشخصية المصرية تحولت علي أيدي حكومات الحزب الوطني، وما قبل الوطني، إلي اللون المحمحي.. فلا تعرف متي تثور لكرامتها؟ ومتي تغضب؟ ومتي يتحول هذا الغضب المكتوم في الصدور إلي فعل إيجابي؟

أما سياساتنا الداخلية فهي «محمحي» خالص! وتتولي أمانة السياسات بالحزب الوطني تحديد درجة المحمحي لها.. بحيث لا تعرف في النهاية، إلي أين تسير بنا؟ وما هي البوصلة التي ستهدينا إلي نهاية الطريق؟

حياتنا السياسية تحولت هي الأخري إلي اللون المحمحي.. فلا تستطيع التفرقة بين موقع الحزب المعارض من الحزب المؤيد.. فاختلط الحابل بالنابل، والأبيض بالأسود.. والثروة بالسلطة.. وأحمد عز بأمانة التنظيم في الحزب الحاكم.. واللون الكاكي باللون الأصفر!

مصر تحولت في العقدين الأخيرين إلي دولة محمحية.. وهذا سيسهل علي المؤرخين التعرض لهذه الحقبة من تاريخ مصر دون صعوبة في تحديد الفترة الزمنية لها، ولن يجد قارئ التاريخ صعوبة هو الآخر في معرفة تاريخ الدولة «المحمحية»، الممتد من عام ١٩٨١ وحتي عام ٢٠١١، وهي من أطول الفترات في تاريخ مصر، التي يتولاها حاكم واحد.

 وهكذا نتعرف علي تاريخ بلادنا من الحقب التي مرت بها، كالدولة الأيوبية والفاطمية والمملوكية والعثمانية والإخشيدية والطولونية.. واليوم نحن نعيش عصر الدولة «المحمحية»، يعني إيه «محمحية»؟! يعني حاجة كده بلا شخصية وبلا ملامح، ووجودها مثل عدمه، وسيعتبرونها من أسوأ فترات التاريخ التي مر بها الشعب المصري

No comments: