تعبير للشاعر الكبير محمد الماغوط يقول فيه إنه يحلم بالسفر من الوطن «ولو علي صهوة جدار» يمكن القول إن المصريين أو علي الأقل أغلبهم يحلمون بمغادرة مصر ولو علي صهوة جدار العاطلون والجائعون والمهروسون تحت بيادات رجال الأمن، يهربون علي المراكب التي تغرق بهم وعلي عجلات الطائرات، فلماذا يهرب بليل من منحه الناس صفة اللقب الأثير «البطل»؟ الحضري نجم وقد أكرمه الله، فتغيرت حياته بسبب موهبته وجديته، بل هو لدي مصريين كثيرين أهم وأنفع من كثير من نجوم المجتمع؟ فلماذا يهرب، وإلي نادٍ أقل في الاسم والتاريخ والمكانة من ناديه؟ لماذا خذل البطل جماهيره؟
الحضري حارس مرمي عملاق من أي منظور نظرت إليه، لكنه ليس بطلاً هو في النهاية مواطن مصري واقع تحت سلطة ما يجري في المجتمع، الذي يمر بلحظة تحول هائلة، تقلب الأشياء رأساً علي عقب وفي مثل هذه اللحظات يتسلل إلي الناجحين شعور عميق بالتعاسة، دع عنك حال الفقراء والعاطلين يدخل المرء مستشفي فاخراً لامع الواجهة ليجري عملية تافهة فيخرج علي خشبة، أو علي الأقل يصاب بعاهة يلهث طوال عمره ليدخر بعض المال، فيفقده بسبب التضخم أو شركات توظيف الأموال باختصار هناك، في هذا الليل الغامض، من يتربص به، من يحفر له حفرة، من سيوقفه ليجرده مما معه، أو يرديه قتيلا مثلما حدث مع أستاذ الجامعة العائد من أمريكا.
في الطرف الآخر من العالم هناك أوروبا النظيفة الجميلة المتألقة كما تبرز في الفضائيات، عالم فاتن، يخاطبك فيه الشرطي بمسيوومستر ولا يسبك بأمك، وحين يخطئ فيه الطبيب يحاسب، فكيف لا يهرب الحضري، علي الأقل يري الدنيا، ويتمشي قليلاً في حدائق سويسرا وهو يحدق في «بلاد التمدين والنضافة والذوق واللطافة» كما كان بيرم يقول عن لندن وباريز.
أقرأ في هروب الحضري وعودته نهاية إيديولوجيا البطل الفرد صحيح أن الجماهير تحلم به، وتنتظره، وحين لا تجده، يتكفل بصناعته كتاب الدراما، بعد أن أصبح صعباً وجوده في الواقع، لكن كل شيء يقول إنه لم يعد مجديا انتظاره لكننا لم ندرك ذلك بعد، لم ندرك أن علي الجماهير أن تصنع هي حياتها، أما بطلها فلا يجب أن يكون بطلاً، بل مجرد مواطن، يمكن لها أن تقومه وتحاسبه وتعاقبه، لا أن تحو له إلي بطل يعوض شعورها بالمهانة والضآلة، ويفكر بدلاً منها، أو إلي خائن لمجرد أنه اتخذ قراراً لا يعجبها.
محمد بدوي
No comments:
Post a Comment