عن اللعب القديمة
بقلم ابراهيم أصلان
اتصل بي عن طريق التليفون وأخبرني أن الشاي جاهز, وقال: ـ انزل قبل ما يبرد. وبعد ما لبست الشبشب وفتحت الباب. الحاجة قالت ورائي: ـ طيب غير الجلابية. ولكنني نزلت. وأنا علي السلم لاحظت أن باب شقته مازال مغلقا بعدما تصورت أنه يقف في فتحته بانتظاري, وشعرت بالضيق وضغطت علي جرس الباب بشدة ولفترة أطول من اللازم. وعندما فتحت ابنته المتزوجة الباب وتراجعت وهي تتهلل في وجهي, ظللت واقفا. كنت أعرف أنه هناك في الحجرة الداخلية, وقلت: ـ أمال أبوكوا فين؟ حنيئذ جاءني صوته مرحبا: ـ تعالي يا أبو عبده. وشعرت بأنني لم أعد متضايقا وابتسمت في وجه البنت ودخلت, وبعد ما صافحته رأيت صينية الشاي بأعواد النعناع, وأشعلنا سيجارتين وجلسنا صامتين. بعد قليل جاءت حفيدته الطفلة وهي تحضن عروستها ووقفت في مدخل الحجرة تتطلع إلينا. وراح يلاعبها بأصوات غريبة لا معني لها والبنت ظلت تتابعه في وجوم, ثم استدارت واسرعت بالابتعاد وكنت أظنها سوف تقع علي وجهها ولكنها لم تقع. ظل يبتسم لنفسه ثم التفت إلي وقال إنه طلب من أمها أن تحتفظ لها بكل لعبها لغاية ما تكبر, تخيل مثلا وهي أم أو جدة, وعندها لعبها وهي طفلة. شيء جميل جدا. وبعد ما مضت فترة من الصمت أضاف, يعني تخيل مثلا لو أن الواحد مازال محتفظا بلعبة من لعبه. ثم قال إنه يتذكر كما لو أنه كان عنده قطارا بعربات وشبابيك وعجل صغير لكنه غير متأكد, وأضاف: ـ يا ريتني سألت أمي عنه قبل ما تموت, لكن للأسف الأسرار دي كلها ماتت معاها. وأشعلنا سيجارة أخري وقال: ـ شوف, نفس اللي حصل معاها بالضبط. ـ مع مين؟ ـ مع أمي. وأخبرني أن أباه كان ذهب معها لزيارة شقيقته. وأثناء عودتهما طلبت منه أن يسبقها لأنها ستطل علي أمها التي كانت تعيش في آخر الشارع, هو طلب منها أن تستعير المنشار الكبير المركون وراء الباب وتحضره معها. وعندما أحضرت المنشار وعادت وجدته يجلس علي الكنبة ميتا. وأنا شعرت بأن الموقف صار مؤثرا, ولكنني تصرفت بشكل عادي ووقفت وقلت: أطلع انا بقي. وبعد ما طلعت وقعدت علي الكنبة, اتصل بي مرة وسألني ان كنت نمت أم لا, وأنا أخبرته بأنني لم أنم. وهو سألني ان كنت فاكر حكاية المنشار التي حكاها لي؟ وأخبرته: إنني لسه فاكرها. قال إنه انتبه الآن أن ما حدث لأمه مع أبيه, هو الذي حدث له مع أمه, وأنا قلت: إزاي؟ وهو قال إن أمه ظلت طوال ثلاثة وعشرين عاما لا تتوقف عن لوم نفسها لأنها لم تسأله عن سبب طلبه للمنشار, وكل يوم علي الله كانت تسألني: ما تعرفش أبوك كان عاوز المنشار ليه؟, وأنا أقول لأ. يعني إذا كانت هي ما سألتوش عن المنشار, أنا ما سألتهاش عن القطر الصغير. ـ إزاي الكلام ده؟ قال: طيب اسمع السر ده بقي, وهمس في السماعة إنه سمع أمه قبل أن تموت مباشرة وهي تقول لنفسها: ـ يا تري كنت عاوز المنشار ليه يا مرزوق؟ ـ لأ يا راجل؟ قال: زي ما باقول لك كده. وأغلق الخط. | |||||
No comments:
Post a Comment