مهازلســـتان: هو اسمٌ رمزي لبلدٍ في قارةِ آسيا، وهو اسم يقوم علي دمج كلمتين إحداهما عربية وهي (مهازل) والأخري «أردية» وهي (ستان) ومعناها (بلاد) وهي ترجمة حرفية للاسم الرمزي الذي كان البريطانيون والفرنسيون المقيمون في (مهازلستان) يطلقونه علي هذا البلد، إذ كانوا يسمونه بالإنجليزيةarceland ، وكلمة Farce تعني بالإنجليزية وبالفرنسية أيضاً (الهزل) أو (المهزلة)، وبالتالي فإن (مهازلستان) ليست دولة خيالية مثل (يوتوبيا) التي تخيلها وكتب عنها الفيلسوف البريطاني توماس مور منذ قرون..
كذلك فإن الفارق بين (يوتوبيا) و(مهازلستان) فارقٌ رهيبٌ: فالأولي مدينة فاضلة تخيلها توماس مور وتخيل الحياةَ فيها مثاليةً في شتي جوانبِها وجميع صورِها.. أما (مهازلستان) فهي في كل صورها الحياتية ونظمها وعاداتها وأساليب العمل والحياة فيها محض ترجمة مطابقة لكل معاني وأبعاد اسمها (أرض المهازل). في مهازلستان صور من الفساد لا تخطر لأحدٍ ببال..
وصور من التزلفِ والنفاقِ والرياءِ لكلِ كبيرٍ ولأي كبيرٍ لا نظير لها في أي بلدٍ معاصرٍ أو في التاريخ، وفي مهازلستان قواعد للنجاح والتفوق والتألق لا علاقة لها بقواعدِ النجاح والتفوق والتألق في كل المجتمعات السوية: فإذا لم تكن إمعة وبلا رأي ومتفوقاً في التزلف وقصير القامة (معنوياً) ومجرداً من القدرات والمواهبِ وقادراً علي الموافقة علي الشيء ثم علي نقيضه..
إذا لم تكن متسلحاً بتلك الصفات فلا حظ لك في مهازلستان، فهي أرض أصحاب القامات المتوسطة ودون المتوسطة، وفي مهازلستان أجهزة إعلام رسمية لا نظير لها في الكون، فعندما يبلغ الكسادُ الاقتصادي أسوأ مراحله يتحدث لإعلام المهازلستاني عن النمو الاقتصادي المذهل لمهازلستان.. وعندما تنعدم فرص العمل أمام شباب مهازلستان وتستفحل البطالة يكتب الإعلامُ المهازلستاني مئات المقالات عن فرص العمل التي بالملايين.. وعندما يصبح الفساد مثل السوس الذي ضرب جذع الشجرة بأكمله يتفنن الإعلامُ المهازلستاني في الحديثِ عن عدم التردد في ضرب الفساد..
وفي مهازلستان علاقة غريبة لا مثيل لها في تاريخ العالم بين السلطة التنفيذية وطبقة لا مثيل لها أيضاً في العالم اسمها (طبقة كبار رجال الأعمال) ويمكن أن تكتب كتباً كاملة عن هذه العلاقة، وفي مهازلستان يخضع للقانون الصغار والضعفاء فقط: بدءاً من قانون المرور إلي أخطر القوانين أثراً، ولكن الإعلام المهازلستاني لا يتوقف عن الحديث عن (سيادة القانون في مهازلستان)، وفي مهازلستان تعاني أقليةٌ دينية ألف شكل من أشكال المعاناة ويخرج الإعلامُ المهازلستاني في كل مناسبة بصور رجال الدين من طوائف مختلفة متعانقين ويكررون أن كل ما يقال عن مشاكل الأقلية الدينية في مهازلستان هو من اختراع وتلفيق العالم الخارجي..
وفي مهازلستان شعور لا مثيل له بأن العالم الخارجي يحسد مهازلستان علي تاريخها وكنوزها ورجالها ولا يتوقف عن التآمر عليها بحجة أنه يخشي أن تحدث النهضة المهازلستانية التي ستجعل مهازلستان القوة العلمية والاقتصادية الكبري علي ظهر الأرض (رغم أَن «مهازلستان» لا تنافس أي أحد في أي مجال!)،
وفي مهازلستان يوجد موظفون عموميون رواتبهم في حدود ٣٠٠ دولار أمريكي في الشهر تمكنوا من أن يدخروا منها مبالغ تزيد في حالات عديدة علي مائة مليون دولار.. وفي مهازلستان لا يتوقف الإعلامُ عن الحديثِ علي استقلالِ القضاءِ واستقلال الإعلامِ، رغم أن كلَ مواطنٍ مهازلستاني يعلم أن الواقعَ علي خلافِ ذلك تماماً، وعندما كانت صورُ الفسادِ المهازلستاني تبلغ حدوداً تفوق كلَ التصوراتِ، كنتُ أرددُ بيتين رائعين للشاعرِ العظيم «خليل مطران» كنت أشعرُ أنه كتبهما وكأنه يتابع معي مسلسل الفساد المذهل في مهازلستان:
ما بين لصوصٍ ولصوصٍ
فرقُ في الأعلي والأدني
لصغارِهم الموت المزري
وكبارهم الشرف الأسني!
وفي الكتاب فصلٌ مضحكٌ (أو مبك) عن علاقةِ الإنسانِ المهازلستاني بالسلطِة وكبارِ المسؤولين والعكس (أي علاقةِ كبارِ المسؤولين بالمواطن المهازلستاني). ويبدأ هذا الفصلُ بقصة حقيقية، فقد ذهبتُ ذات يوم لمقابلةٍ مهمة مع مسؤولٍ مهازلستاني كبيرٍ وكان معي زميلٌ بريطاني،
ونظراً لأن معظمَ الحوارِ كان بين المسؤولِ الكبيرِ وعددٍ من مساعديه فقد كان باللغةِ الوطنيةِ (المهازلستانية). ولما كان الزميلُ البريطاني لا يعرف كلمةً واحدةً من هذه اللغة، فقد ركّز اهتمامهَ علي ما يسميه الإنجليز «لغة الأجساد» Body Language وبعد المقابلةِ قال الزميلُ البريطاني لي إنه بذلَ جهداً خارقاً ليمنع نفسَه من الانفجارِ في الضحكِ.. فقد كانت لغةُ الأجسامِ التي أمامَه شيئاً عجيباً لم يره من قبل، سواءً وهو يراقب المسؤول الكبير أو وهو يراقب مساعديه وهم يردون علي استفساراته..
يومئذ قال لي الزميلُ البريطاني إن تصويرَ مشاهدٍ كالمشهدِ الذي راقبه قرابةَ الساعة يمكن أن يعود علي مصوريها بالملايين، لأن العالمَ سيشاهد سينما كوميدية صامتة لا نظير لها في الكونِ!.. ومازلت أذكر وصفَ زميلي البريطاني لحركةِ أجسادِ مساعدي المسؤول الكبير وهي تتحرك بكيفية وصفها بأَنها تشبه التواءات المتورط فيزيقياً تحت ضغطٍ شديدٍ من الطبيعةِ!
وفي مهازلستان خصلةٌ اجتماعيةٌ لا مثيل لها في العالم، فالكبير الذي يترك موقعه يعامله المجتمعُ معاملةً مزريةً عامرةً بالتجاهل والجحود والنكران ـ وهي المعاملة التي وصفتُها في فصلٍ كاملٍ في هذا الكتاب: وهي معاملة لا مثيل لها في حالاتِ الشعوبِ الأُخري ـ إذ يصبح «السيد سابقاً» مجرد «لا شيء»: «حشرة منسية علي فرعٍ يابس لشجرة الحياة»!..
وتصيب كلَ «سيد سابق» حالة من التقزم الأدبي والمعنوي أسهبتُ في وصفها في فصلٍ بعنوان (مهازلســتان.. وفنون الجحود والنكران)، وفي هذا الفصل عرض لقصة حقيقية وقعت للقائد العام السابق لجيوش مهازلستان عندما أوقفه حارس أحد النوادي الرياضية للضباط، وعندما قال له القائدُ العام السابق إنني المارشال «فلان» القائد العام الأسبق للجيش، قال له الحارس: ولكن المارشال «فلان» مات!.. فقال له المارشال: صدقت! ففي مهازلستان تستوي الكلمتان : «كان» و«مات»!
وفي الكتابِ فصلٌ بعنوان (ثنائية الغباء والأمانة)، ففي مهازلستان معادلةٌ شائعةٌ حيث ينقسم شاغلو الوظائف العمومية (بدرجةٍ واضحة) إما إلي أمناءٍ أغبياءٍ أو أذكياءٍ غير شرفاءٍ، ويضرب هذا الفصلُ عشرات الأمثلة علي الطائفتين، ويتضمن هذا الفصلُ قصةَ ارتفاع السيد «ك.أ» من «السفحِ» إلي «السطحِ»: والسيد «ك.أ» هو نموذج لتلك الخلطة الرائجة في العالمِ الثالثِ من عبقريةِ الوصوليةِ (!) وإبداعِ الفسادِ (!) وتوحش النهمِ الأسطوري علي الاستحواذ علي أي شيء: من آلاف قليلة يحصل عليها السيدُ «ك» لإدخال أبناء الفقراء الكليات العسكرية إلي الملايين التي يحصل عليها لدخولِ البرلمان!
ويتعرض أحدُ فصول الكتاب للجانب الإيجابي الوحيد الذي تبقي في شخصيةِ الشعبِ المهازلستاني والمتمثلة في القدرةِ علي إنتاجِ نهرٍ عارمٍ من النكاتِ عن حكامِه ومشاهير مجتمعِه وأوضاعِه بل وعن نفسه.
وإذا كانت «الغيرةُ» في كل مجتمعاتِ الدنيا أكثر ذيوعاً بين النساءِ، فإن «مهازلستان» تقدم حالةً استثنائية: فالغيرةُ بين رجالِها قصةٌ فريدةٌ !.. لاسيما بين الشخصياتِ العامةِ، وإذا كانت «غيرةُ النساءِ» في أساِسها متعلقةً بالجمالِ ـ فإن غيرةَ الرجالِ المهازلستانيين أكثر تعقيداً: فهي غيرة تنبع مرةً من «المنصبِ» ومرةً من «الشهرةِ» ومرةً من «العلمِ والثقافةِ» ومرةً من «الثروةِ» ومراتٍ من «الهيئِة»!
فرجالُ مهازلستان في الغالبِ الأعم قصار القامة.. سوادهم الأعظم «من الصلع»!.. وملامحهم لا علاقة لها بأي نوعٍ من أنواعِ وسامةِ الرجالِ..! وتعمل كلُ هذه العناصر معاً علي خلق ُمناخٍ من الغيرةِ والحروبِ الشخصيةِ ودرجاتٍ من الغل خصصتُ لها فصلاً كاملاً بعنوان «مشتقات حرف الغين» (غل.. غيرة.. غيظ.. غليان.. غدر.. غبن).
وأنهي هذه المقدمة بالكلمة الختامية التي أكملت بها هذا الكتاب:
إن معضلة شعب مهازلستان الكبري اليوم أنه بين شقي الرحي: بين آثار عملية غسيل المخ التي قامت بها أجهزة الإعلام المهازلستانية التي تفوقت علي أجهزة جوبلز النازية في حرفية غسيل العقول وبين إصرار نظام الحكم في مهازلستان علي عدم دمقرطة الحياة السياسية، ونظام الحكم في مهازلستان عازم علي إعاقة عملية دمقرطة الحياة السياسية في مهازلستان، لأن استمرار الأوضاع علة ما هي عليه يضمن له ثلاث غنائم في وقت واحد:
ـ إذ يبقي الشعب المهازلستاني علي حالته الراهنة يوجه أصابع الاتهام (ليل نهار لمتآمرين في الخارج (علي رأسهم الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها) ولكنه لا يوجه إصبع اتهام واحد (ولو لمرة واحدة) لحكامه الطغاة الفاسدين.
ـ إذ يضمن نظام الحكم المهازلستاني أن غايته الأولي (والأهم) ستتحقق (وتتمثل هذه الغاية في استمرار الحكام في الحكم لعقود أخري إما بأنفسهم أو من خلال من يورثونهم السلطة).
ـ إذ يضمن نظام الحكم المهازلستاني عدم حدوث تداول للسلطة السياسية بما سيأتي معه من فتح لملفات عهدهم وما اكتنف هذا العهد من طغيان وفساد.
لذلك فإنه لا داعي لتعجب البعض (من المراقبين) من فرط قوة قيادة جهاز الإعلام في مهازلستان: فهو (أسوة بالجيش والشرطة) أداة تحقيق المراد وبقاء الحكام علي سدة الحكم عقوداً أخري مديدة.
ويتكون هذا الكتاب «مهازلســـتان» من عشرةِ فصول في نحو أربعمائة صفحة تغطي تفاصيل تراجيديا (ربما «كوميديا») الحياة في مهازلستان ـ والكتابُ يهدف، لأن يسجد كلُ مصري شاكراً لله، لأننا في (مصرَ) ولسنا في (مهازلســـتان).
1 comment:
طيب الحمد لله على اننا فى مصر
اللى حاسه انها بقت قريبة من مهازل ستان
Post a Comment