Thursday, July 12, 2007

الجركن يا جدعان

الجركن

 
بقلم  محمد صلاح    ١٢/٧/٢٠٠٧

يجد المواطن المصري نفسه دائما مضطرا للتعامل مع أشياء لم يكن يتوقع أن تكون وحدها سببا في نجاته أو ستصبح وسيلته للعيش حتي في أضيق حدوده. نحن نعيش الآن عصر «الجركن» الذي صار فجأة من ضرورات الحياة، ومهما جدا بقدر أهمية الماء والهواء والغذاء.

موسم «الجراكن» بدأ في البلاد من شرقها إلي غربها، ورفع كل مواطن «جركنه» عاليا محتجا تارة معبرا عن سخطه وغضبه وفقره، أو مهللا سعيدا حامدا ربه شاكرا حكومته لأنه وجد ماء يملأ به «جركنه» ليشرب ويطبخ ويستحم تارة أخري. هكذا هرع الناس لشراء الجراكن وتخزينها بعدما نفعت «الجراكن» البيضاء في الأيام السوداء، وبعدما أبدي المفرطون في «جراكنهم» أشد الندم.

نعم صار «الجركن» من ضرورات الحياة ولوازمها، ولم نكن ندري أو نتوقع أو نتخيل أن الأمر سيكون كذلك، تماما كما حدث من قبل مع أشياء أخري كنا لا نعتقد مدي أهميتها، ألم يعد ضروريا لكل من يركب عبارة أن يحتاط لنفسه ويرتدي سترة نجاة؟ ويفكر بعضنا حين يركب قطارا أن يرتدي ملابس لاعبي الرجبي الأمريكي ذات الدروع والخوذات علها تنجيه أخطاء السيمافورات وذوبان القضبان والفلنكات و«هلكان» العربات والجرارات؟ كم واحدا منا بعد حريق مسرح بني سويف فكر قبل أن يدخل مسرحا آخر أن يشتري مع بطاقة الدخول ملابس رجال المطافئ، ربما تقيه حريقا قد يندلع يزيد ناره نارا غلق أبواب المسرح بمفتاح يضعه البواب في جيبه ويغيب؟

ألم يدرس البعض فكرة كتابة وصيته قبل أن يستقل سيارته ويذهب إلي عمله عن طريق محور ٢٦ يوليو أو الطريق الدائري، فربما تسحقه تريلا عابرة أو يطيح به مطب طبيعي أو صناعي؟ هل نسينا كيف اندفع الناس لشراء أحزمة الأمان حين عدل قانون المرور وفرض علي قائدي السيارات تحزيم أنفسهم، فأثري بعض تجار كماليات السيارات، في حين بقي المتحزمون قابعين في سياراتهم القابعة بدورها في طرق معطلة، وشوارع مغلقة، وإشارات مرور مصابة بعمي ألوان، لا فرق لديها بين أحمر وأخضر؟

أخيراً تحققت العدالة الاجتماعية لا فرق الآن بين غني وفقير، بين برلس وتجمع خامس، بين سوهاج أو مدينة نصر. فالكل في «الچركن» سواء. في زمن القرية الذكية صار توفير چركن لكل مواطن أمراً حتمياً يملأه مياهاً عجزت تلك البنية الأساسية المهولة، التي ظل يسمع عنها لسنوات أن توفرها له. بعض أهالينا صاروا يبحثون عن «الچركن»، كما يلهثون وراء رغيف خبز صالح للاستهلاك الآدمي.

 أما رجال الأعمال ففتحت أمامهم أبواب رزق من وسع. فصناعة «الچراكن» ستزدهر بعدما تأكد أن محطات المياه تأخذ وقتاً طويلاً، حتي تكرر المياه وتعقمها وتخلطها بالكلور، وبعد أن ثبت أن المواسير لا تمد إلا بعد أمد طويل، لتحمل المياه من النيل إلي المحطات، ومن المحطات إلي البيوت، بكل ما يسبح فيها من طحالب وفيروسات وعكارة، وإذا احتكم الأمر سيصبح «الچركن» ضمن جهاز العروسين، وستطرح منه أشكال وأنواع ستيل ومودرن بعضها بفتحات ضيقة، تملأ من الحنفيات العامة، وأخري ذات فتحات واسعة بوسع الطلمبات الحبشية.

لا تستبعدوا أن تسود في المرحلة المقبلة ثقافة «الچركن»، وأن تنظم معارض لـ«الچركن» ومسابقات لأفضل چركن، وسيخرج علينا مطرب شعبي يغنينا «الچركن الچركن»، وستتلوي راقصة في فيديو كليب أمام وخلف وتحت وفوق «چركن» يخطف الأبصار، ويذهب العقل من فرط جماله ودقة صنعته، وسيتصارع مرشحو الانتخابات المقبلة علي رمز «الچركن»، ليضمن المرشح حب الناس، وتقديرهم واحترامهم، وبالتالي أصواتهم، ولأن وعد الحر دين عليه، فإن نواب المستقبل سيتعظون من أخطاء نواب الحاضر والماضي، الذين تعهدوا للناس بتوفير المياه، وعجزوا عن الوفاء بعهودهم، ولذلك فإن وعود المرشحين ستركز علي توفير «الچركن» للمواطنين مدعومة أو بالتقسيط المريح جداً، وستنشئ الجامعات الخاصة أقساماً لتدريس صناعة «الچركن» وصيانتها وطرق ملئها وحملها وتفريغها.

لن يتحدث المسؤولون مستقبلاً عن بنية أساسية، وإنما عن «چراكن» أساسية، ولن يطالب الناس بإصلاح سياسي أو تعديل دستوري أو مزيد من الحريات، أو حتي بطاقة تموين، وسيكون أقصي طموح كل مواطن فقط: «چركن ميلامين جامد ومتين».

No comments: