زنوج العرب |
في أربعينيات القرن الماضي، وقف إسماعيل صدقي باشا معترضاً علي المشروع الذي قدمته حكومته الوفد، باعتماد الإعانة السنوية لبعثة التعليم المصرية بالكويت، قائلاً: «إن الفلاح المصري الذي سيدفع هذه الإعانة، لا يعرف أين تقع الكويت»، ويومها كان أكثر من ٧٠% من المصريين من الفلاحين، ومع هذا أقر مجلس النواب الميزانية بأغلبية ساحقة. في هذه الفترة كانت مصر تمنح الطالب العربي أسبقية في الالتحاق بالجامعة، بإضافة ١٠% لمجموعه، فيصبح من حق الطالب الليبي أو الكويتي دخول كلية الطب بـ٦٠%، بينما لا يقبل المصري الحاصل علي ٦٩%، وبعد الاحتلال الإيطالي لليبيا، هاجر مائة ألف ليبي لمصر. وقتها كان الفلاحون يقتسمون مع المهاجرين أرضهم، وكانت عدة بيوتات مصرية ترعي شؤون اللاجئين الليبيين في مصر طوال السنوات التي انقضت بين الاحتلال الإيطالي، وظهور البترول، وكانت وزارة الأوقاف والشؤون الاجتماعية تصرف رواتب لعدد من الليبيين، منهم الملك إدريس، الذي استمر يقبض راتبه إلي ما بعد عودته بسنوات، لولا أن تنبهت الثورة، فأوقفت صرفه، وخلال ذلك ظل عدد السودانيين في مصر أكبر من عدد المصريين في السودان. وفي هذه الفترة أيضاً، كان حلم الطالب العربي هو الدراسة في القاهرة، ونسبة هائلة من الوزراء العرب تخرجوا في القاهرة، وعاشوا في حواريها، دون أن يشعروا بغربة، وكانت مصر هي الملجأ الطبيعي للحركات الوطنية العربية. كان الكلام المصري هو أحلي حكي، والنقود في المشرق اسمها المصاري، لأن المصريين يأتون بها. كانت أكبر مؤسستين صحفيتين في مصر يمتلكهما ويحررهما الشوام، وأحلي شاعر بالعامية المصرية تونسياً، وأشهر كباريه تديره لبنانية، وصناعة النسيج يسيطر عليها الشوام: سباهي والشوربجي واللوزي. كان الأديب العربي هو ما تنشر له مطابع مصر. السينما تألق فيها الشوام: النابلسي وفريد الأطرش وأخته وبشارة واكيم، بل إن شيخ الأزهر كان تونسياً، الشيخ الخضر حسيني، وكان اللبنانيون أعضاء في مجلس الشيوخ ومستشارين في القصر ووزراء، بل إن زعماء لبنان المسيحيين عدد كبير منهم ولد في مصر وعاش فيها سنوات طفولته، ولم يكن المصريون يميزون السوداني بينهم، فكان منهم اللواء النجومي ومحمد حسني في القصر الملكي، إلي الكسار أشهر ممثل كوميدي.. هذه الفترة قال فيها الشاعر الليبي: «عليك يا مصر بعد الله نعتمد»، وعندما طرحت قضية الوحدة العربية كانت مصر أقل المتحدثين عنها، وأكثر العاملين لها، وعندما تطور التعليم في البلدان العربية، كانت مصر هي الأساس في تصدير الكتاب والمعلم، وقبل صدور أي قرار - غير قابل للتنفيذ - من الجامعة العربية بتوحيد المناهج التعليمية، كان الكتاب المدرسي المصري هو وحده الكتاب العربي، الذي يدرس في المدارس العربية، حينما أتيحت فرصة للتدريس بالعربية، وحينما تمكنت الحركة الوطنية من تحرير برامجها التعليمية، كانت امتحانات الشهادات العامة توضع في مصر، وتصحح في مصر، وهكذا كانت مصر تمارس العروبة والوحدة بالفطرة، بلا ضجة، ولا شعارات، ولا منّ. كانت مصر تمارس هذه العروبة بالكتاب والمعلم والأغنية والفيلم.. فماذا حدث حتي يقف المصري اليوم مهزوماً مطروداً من أشقائه، وكأنه زنجي الولايات العربية المتحدة.. حتي بات هناك ضيق في النفوس جعل البعض يكفر بالعرب والعروبة، حتي إن سفيهاً قدر سعر المصري بثمن غسالة كورية الصنع. وقد آن الآوان لوضع النقاط فوق الحروف بالمنطق، فحين يسافر المصري فهو يذهب فترة ليعود، وليس ليستوطن، ثم إن المصريين لا يعملون في التجارة أو يشتغلون لحسابهم، وهم في كل البلدان التي يعملون فيها يصرفون ثلاثة أرباع ما يتقاضونه داخل هذه البلدان، أي أنهم يذهبون لخدمة تلك البلدان.. وهي حالة نموذجية للعمالة، تتطلع لها أي دولة في العالم، إذ تحصل علي العمل والخبرة، ولا تخسر شيئاً من عملتها تقريباً. ولأن كرامة مصر وكبرياءها لا يسمحان لها بالمنّ والمعايرة، فإن ما صرفته خلال نصف قرن علي الحروب والعروبة، كان كافياً لتصبح كل قرية أجمل من كل المدن الأسمنتية علي ضفاف المحيط والخليج.. أو هكذا أظن. |
Thursday, September 13, 2007
Ah ya 3araaab ya zebalaa
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment