أشعة الموت والعصف الذهني |
تقفز إلي ذهني هذه الأيام حكاية تنتمي طرافتها إلي نوعية الكوميديا السوداء كان قد قصها الكاتب الكبير مصطفي أمين وضمنها كتاباته، الحكاية بدأت بدعوة تلقاها من إحدي الهيئات في دولة عربية في الستينيات من القرن الماضي لحضور تجربة مهمة رأت تلك الهيئة أنها تريد أن يكون كتاب ومفكرو الأمة العربية هم أول الشهود علي نجاح إنجاز علمي وتاريخي للهيئة. وعند الوصول وارتداء المعاطف البيضاء لدخول ذلك الصرح البحثي الرائد جاء أستاذ بكلية العلوم متحدثًا عبر مكبر صوت في أجواء شديدة الخصوصية والجدية التي تناسب الحدث وروعته، أعلن العبقري أن التجربة ستبدأ وأنهم وضعوا فأر تجارب في قفص علي بُعد عشرة كيلومترات من موقع تواجدهم وأنه سيبدأ في تلك اللحظة التاريخية توجيه سلاح سري رهيب اسمه «أشعة الموت» نحو الفأر المسكين ليلقي حتفه فور وصول الأشعة، وأعلن بكل ثقة العلماء وشموخهم أن تلك الأشعة تفتك بكل ما تصادفها حتي البشر إلا من ارتدي ثوبًا أبيض وهذا سبب ارتدائنا المعاطف البيضاء.. وفي مشهد سينمائي دراماتيكي بدأت ماكينات ضخمة تزأر بصوت كالرعد لمدة خمس دقائق ثم توقفت لتبدأ رحلة شهود التجربة إلي ذلك الفأر المسكين للتأكد من مصرع الفأر.. وكانت المفاجأة أن وجدنا الفأر يتقافز مرحًا وسعادة في قفصه.. وظل الأستاذ العبقري يكرر التجربة مع تقريب المسافة بين الفأر وتلك الآلات العبقرية حتي وصل حد أن جاءوا بالقفص وألصقوه بالآلة الجبارة لكن الفأر اللعين كان يزداد فرحًا وانتعاشًا في قلة ذوق متناهية.. ويقول كاتبنا الكبير إن هذا الاكتشاف الفضيحة تكلف ٦٣ ألف جنيه «ولنا أن نتصور قيمة هذا الرقم في الستينيات».. وأن نصابًا استغل سذاجة وعبط بعض المسؤولين عن هذه الهيئة وأوهمهم أن هذا السلاح ممكن أن يبيد إسرائيل!! وينهي الحكاية كاتبنا الكبير مداعبًا القراء أنه نسي أن يقول إن الفأر لم يكن يرتدي معطفًا أبيض!! والحقيقة أنه ورغم مرور أكثر من نصف قرن علي حدوث تلك الوقائع ذات الدلالات المؤلمة فإن واقع البحث العلمي في مصر والعالم العربي في المراكز البحثية والجامعات يشهد أمثلة كثيرة تقترب، بل تفوق مثل تلك الحكايات.. بداية من وحدات ذات طابع خاص في الجامعات بات بعضها مجرد سبوبة للاسترزاق.. إلي مراكز بحثية كبري يتم الإعلان فيها عن اكتشافات علمية في مجالات مختلفة خاصة في المجالات الصحية والدوائية ثم يعقبها تصريحات رسمية حكومية تنفي صحة وجود اكتشافات علي هذا النحو. فإذا ما أضيف إلي ذلك انتشار السرقات العلمية والمؤلفات المنسوخة من علي مواقع الإنترنت والدرجات العلمية المزورة أو التي يتم الحصول عليها بمقابل في جامعات في الخارج، وأيضًا تعيين أهل الثقة بعيدًا عن الاحتفاء بالكفاءات وتبني أصحاب الجهود العلمية الخلاقة والمبدعين.. وصولاً لاكتشاف أن هناك حسابات لا نعلمها بعيدًا عن الشفافية وسنينها يتم بمقتضاها وضع أبحاث مهمة علي الأرفف أو في مخازن الهيئات قد يكون «لتسقيعها» حتي يأتي زمن يظهر فيه باحث نصاب ينسبها إلي نفسه، أو بسبب أن البحث يمكن أن يشكل مخاطر علي مصالح تجارية للبعض. إنها صرخة يطلقها كل شرفاء الأمة مفادها أن تحقيق التقدم يبدأ من المعمل وإعمال التفكير العلمي وابتعاث المبدعين، وبعيداً عن أشعة الموت إياها التي ترتد إلينا لتنعش فئران التجارب لنصير وطنا للدجالين وأصحاب فتاوي الجهل وعتامات زمن البداوة وطب وأعشاب المشعوذين عبر فضائيات مجرمة. الأمر في الحقيقة بات خطيراً ولا يوجد في الأفق ما يطمئن سواء في حالة ضم البحث العلمي إلي وزارة التعليم العالي أو تخصيص وزارة للبحث العلمي. المشاكل هي هي ومعروفة بداية من افتقار إلي مصادر التمويل وعدم التواصل مع أكبر المراكز البحثية في العالم وغياب مناخ وقاعدة علمية يمكن أن تخدم هذه الملايين من شعبنا المسكين، ولأنه وكما يقول المثل الشعبي «هم يبكي وهم يضحك» فقد أضحكني وأبكاني أن يعلن مسؤول جامعي كبير أن جامعته تحشد كل طاقاتها في إطار من الفكر الجمعي والعصف الذهني «كلام كبير قوي»، وظننت أن الحديث بشأن عمل علمي وتعليمي ضخم واتضح أن هذا الفكر، وذلك العصف بمناسبة الاستعداد لإقامة احتفالية جامعية!! |
Monday, September 10, 2007
hahahaha
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment