يعتزم المجلس القومي لحقوق الإنسان عقد ورشة عمل عن «خانة الديانة ببطاقة الرقم القومي» تقام ١٠ سبتمبر سنة ٢٠٠٧، وكان المجلس قد عقد جلسات سابقة لهذه القضية تفاوتت فيها الآراء.
ونحن نقول إن المشكلة ليست في خانة الديانة، لأنه إذا كان الاطلاع عليها ومعرفة أن حاملها قبطي وليس مسلماً فإنه يؤدي لتحامل أو تحيز، فمن الواضح لذوي الألباب أن المشكلة الحقيقية هي في وجود تحامل يقوم علي الدين، وهي صفة إذا دلت علي شيء فهو التعصب والجهالة.
فعدونا هو التعصب والجهالة ولا يجوز أن نتجاهله أو نتجاوزه، لأن المناسبات التي ستؤدي لمعرفة أن فرداً ما مسلم أو مسيحي عديدة جداً في مجتمعنا، ولأننا لا نريد حماية بالتجاهل أو فراراً من المشكلة، ولكن مجابهتها.
المشكلة هي أنه إذا تنصر شاب مسلم، لأنه يريد الذهاب لكندا أو لضمان عمل، وإذا أسلمت فتاة مسيحية لأنها تحب شاباً مسلماً، عندئذ تقوم القيامة كأن الإسلام قد اعتدي عليه أو أن المسيحية انتهكت، ويعتصم أهله بالكنيسة إذا كان مسيحياً، ويستنجدون بالأزهر إذا كان مسلماً.
هل هناك جهالة وتخلف أكثر من هذا؟ ماذا يفعل لهم الأزهر؟ ماذا تفعل لهم الكنيسة؟ ماذا تفعل أي قوة خارجية لهذا؟ المثل يقول «إنك تستطيع أن تجر الحصان إلي النهر، ولكنك لا تستطيع أن تجعل الحصان يشرب من النهر».
الشاب المسلم الذي أراد باختياره، ولمأرب دنيوي، أن يتنصر، والفتاة المسيحية التي أرادت باختيارها أن تسلم لسبب عاطفي، لم يمسا المسيحية أو الإسلام وإنما تصرفا تصرفاً لا يمس إلا نفسيهما، وهما أدري به، وأدري بمصلحتهما. المسيحية لن تخسر بنقص واحدة، والإسلام لن يزيد بذلك، والعكس صحيح لأن المسلمين والمسيحيين بالمليارات. والأديان في حقيقتها قيم، والقيم لا تتأثر بتغيير بعض الناس أديانهم، فتظل مبادئ الحب والخير والمساواة والعدل والحرية علي ما هي عليه، مهما يفعل المسلمون والمسيحيون.
وسواء كان تغيير الدين من مسيحية إلي إسلام أو من إسلام إلي مسيحية، فإنه لا يغير من حقيقة أن هذين التغييرين كانا من الله إلي الله نفسه، لأن من الطبيعي أن الله تعالي لا يخص المسلمين وحدهم ولا المسيحيين وحدهم، ولا مصر أو أوروبا، ولكن الله هو إله الناس جميعاً، والكون بأسره، فلا مفر من الله، إلا إليه.
لو كان لدينا ذرة من الإيمان بالحرية، لآمنا بأن تصرف الإنسان البالغ في هذا الأمر إنما هو ممارسة لحقه في حرية الاعتقاد، وهو من أول حقوق الإنسان، وقد كفله القرآن والرسول قبل إعلان حقوق الإنسان بأكثر من ألف عام، حتي إن ذهب فقهاء السلطان إلي غير ذلك.. ونحن بعد هذا سبعون مليوناً، ولا تؤثر علينا حالات فردية حتي لو كانت حمقاء، أو طائشة، ففي هذا العدد الكبير لابد أن يوجد مثل هذه الآحاد، ولا يؤثر هذا علي السلام الاجتماعي في شيء.
***
الحقيقة التي لابد أن نعترف بها أن لدي عامة المسيحيين والمسلمين في مصر قدراً كبيراً من الجهالة والتعصب، وأنهم جميعاً لا يؤمنون بحرية الفكر ولا بحرية الاعتقاد، وعلينا أن نفهمهم أن هذا عار وتعصب وتخلف عما يؤمن به العالم كله.
ولأنه تأثر وجهالة فإنه يقوم علي غير أساس فليس هناك مشكلة حقيقية فليس في مصر اضطهاد ديني ينصب علي العقيدة.
وأقترح علي الإخوة الأقباط أن يركزوا عنايتهم علي ناحيتين لهما فيهما حق: الأولي: حرية إقامة كنيسة في كل مكان يوجد به مائة قبطي مثلاً، وأن يكون هذا أمراً مقرراً لا حاجة فيه لإجراءات معقدة تيسيراً لحق حرية العبادة المقدس.
والثانية: البحث عن طريق لتمثيل الأقباط في مجلس الشعب، لأن حقيقة كون الأقباط موزعين علي بقاع الجمهورية جعل عددهم في كل دائرة انتخابية قلة، وبالتالي فلا ينجح مرشحهم، خاصة أن عوامل معينة أدت إلي تسميم آبار المحبة التي كانت شائعة ما بين المسلمين والأقباط، وهذه واقعة «هيكلية» لا يمكن معالجتها إلا عندما تنحسم الحساسيات الدينية أو يظهر الأقباط مثل مكرم عبيد وسينوت حنا ونظمي لوقا والأب سرجيوس الذي قال: «إذا كان الإنجليز يتمسكون ببقائهم في مصر لحماية الأقباط، فليمت الأقباط ولتحيا مصر حرة»، أو عندما كانت صحيفة مصر يوم ٢٧ أبريل سنة ١٩١٩ تنشر مانشيت «ليس للأقباط مطالب»، وهذا عهد خسره الأقباط. وقد اقترحت في كتابي «إخواني الأقباط» أن يمثل الأقباط في مجلس الشعب بعدد يبدأ من ثلاثين فصاعداً.
***
باستثناء هذين فلا أري نوعاً من الاضطهاد أو التفرقة، سيقولون الوظائف فأذكرهم بأن السفارات والشركات الأجنبية كلها تؤثر توظيف القبطي علي المسلم، وأن الوظيفة ليست هي الأهم، لأن الاقتصاد مفتوح، والعلوم مفتوحة، والفنون مفتوحة، ونسبة الأقباط في هذه المجالات تجاوز نسبتهم العددية بكثير، فهناك ثلاثة أسماء قبطية تذكر بين أغني أغنياء العالم.
ولا أريد أن أذكر الأقباط بأن الفتح الإسلامي هو الذي أنقذ الأقباط من الاضطهاد البيزنطي الشنيع، وهو الذي أعاد البابا، وهو الذي سمح بالوجود المشروع للكنيسة.
ولست في حاجة لأن أذكر العلاقة الوثيقة بين الإسلام ومصر، من هاجر المصرية حتي ماريا القبطية. ولا أن أذكرهم بأن ما قاله القرآن عن المسيح يقارب ما يقولون «وكلمته ألقاها إلي مريم وروح منه»، «وأيدناه بروح القدس».
إن نصاري نجران الذين ذهبوا لمباهلة الرسول عندما سمعوا هذا قالوا «هذا حسبنا»، وقفلوا راجعين. أريد أن أقول للأقباط ألا ينخدعوا بدعايات مغرضة تريد الفتنة والفرقة ترسلها الصهيونية الأمريكية لتفعل في مصر كما تفعل في كل دولة تدخلها توجد حريقة حتي يهب الناس فيها يضرب بعضهم بعضاً بينما تنسل هي.
وأخيراً فهل أذكر الأقباط بما جاء في إنجيل لوقا عن «السامري الطيب»: فقد أتي إليه ذات يوم أحد علماء الشريعة، وقال له، بقصد أن يجربه: «يا معلم، ماذا علي أن أعمل لأرث الحياة الأبدية؟»، فقال له: «ماذا كُتب في الناموس؟ ماذ تقرأ فيه؟»، فأجاب، وقال: «أحبب الرب إلهك بكل قلبك، وكل نفسك، وكل قدرتك، وكل ذهنك، وقريبك كنفسك»، فقال له يسوع: «بالصواب أجبت، افعل هذا فتحيا»، أما هو فأراد أن يزكي نفسه، فقال ليسوع: «ومن قريبي؟» (لوقا ١٠: ٢٥ ـ ٢٩).
لم يجب يسوع مباشرة عن سؤاله، بل ضرب له مثلاً: «كان إنسان منحدراً من أورشليم إلي أريحا، فوقع بين لصوص، فعروه وأوسعوه ضرباً، ومضوا وقد تركوه بين حي وميت» (لوقا: ١٠ ـ ٣٠).
مر بالجريح كاهن يهودي وأبصره علي تلك الحال، ولكنه تابع طريقه وكأن شيئاً لم يكن، ثم مر لاوي من هناك، وهو أحد مساعدي الكهنة في الهيكل، فسلك السلوك عينه، وإذا بسامري يعبر في تلك الطريق الموحشة الخطرة (وكان السامريون قوماً من أصل أجنبي، يخالفون اليهود في معتقدهم الديني ويمزجون في دينهم بين اليهودية والوثنية، وكان بين الطرفين عداء قديم ومستحكم، ولم يكن اليهودي ينظر إلي السامري، الغريب عنه بالجنس والدين نظرته إلي «قريب» ينبغي أن يحب)، وإذا بيسوع، في المثل الذي ضربه، يروي أن السامري المسافر تحنن وحده علي اليهودي الجريح، وفعل به ما لم يفعله بنو قومه ورجال دينه.
«فدنا إليه وضمد جروحه، صب عليها زيتاً وخمراً، ثم حمله علي دابته، وأتي به الفندق واعتني به، وفي الغد أخرج دينارين وأعطاهما لصاحب الفندق، وقال: «اعتن به، ومهما تنفق فوق هذا فأنا أدفعه لك عند عودتي» (لوقا ١٠: ٣٤ ـ ٤٥).
أريد من الأقباط أن يقرأوا ما قاله مار بولس: «لتخضع كل نفس لسلاطين العالية فإنه لا سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة إنما رتبها الله، فمن يعاند ترتيب الله، والمعاندون يجلبون دينونة علي أنفسهم، فلذلك يلزم الخضوع لسلطان».
وشرح هذا النص المونسنيور باسيليوس موسي وكيل الأقباط الكاثوليك سنة ١٩٢٠م، فقال: «إن هذا النص لا يحتاج إلي تأويل، لأن معناه واضح، وهو أنه يتحتم علي المسيحي ـ من باب الذمة وتبعاً لأوامر الضمير ـ أن يخضع للسلطة المدنية الشرعية، وقد جاءت هذه الآية في رسالة مار بولس الموجهة إلي المسيحيين الرومانيين الذين كان يحكمهم في ذلك العهد نيرون عدو النصاري والنصرانية، والذي طوح به الجنون إلي أن يحرق روما لينسب هذه الجريمة إلي المسيحيين حتي يهيج عليهم الرأي العام ويفتك بهم، فكأن بولس إذن يقول: «ليس لكم يا مسيحيي روما عدو ألد من نيرون،
ولكن بما أنه صاحب السلطة الشرعية فيلزمكم من باب الذمة والضمير أن تخضعوا له، وقد أمر مار بولس الأسقف (طيطي) أن يذكر الشعب بوجوب الخضوع للرئاسات والسلاطين».
وما علمه بولس فقد علمه بطرس رأس الحواريين، إذ قال: «فاخضعوا إذن لكل خليفة لها عليكم سلطة شرعية، وأما للملك فكالأعلي (أي مثل الأعلي)، وأما للولاة فكالمرسلين من قبله، للانتقام من فاعلي الشر وللثناء علي فاعلي الخير».
ويستطرد المؤلف: «فهل يوجد شك بعد كل هذه البراهين الجلية والأدلة القطعية في أن حقيقة التمييز بين الدين والوطن هي من أصول المسيحية؟».
وقد علم الرسل أنه يلزم الولاء الكلي للسلطة المدنية، وأمر بولس الرسول «أن تقام تضرعات وصلوات وتوسلات وتشكرات من أجل جميع الناس، من أجل الملوك وكل ذي منصب لنقضي حياة مطمئنة ذات دعة في كل تقوي وعفاف، فإن هذا حسن ومقبول لدي الله مخلصنا».
لن يكون المسلمون وهم الأغلبية الساحقة لكم أسوأ من السامري الذي نبه المسيح إنه «القريب»، ولا أسوأ من «نيرون» الذي أمر بولس المسيحيين بالخضوع له، فاعلموا دينكم، وارضوا بقدركم واحمدوا ربكم.
|
No comments:
Post a Comment