Thursday, January 04, 2007

محفوظ عبدالرحمن يكتب عن بداية ونهاية صدام: حدث فجر ٣٠ ديسمبر

علامات الساعة تقترب، هذا أمر لا يخفي علي مثله، خاض تجارب لا تحصي بالموت، كان الموت دائماً حليفه وعدوه معاً، أصبحت له خبرة نادرة به، ليشمه عن بعد ولا شك أنهم أرادوا أن يصلوا بالخبر إليه، إما تشفياً فيه، وإما ليروعوه يا إلهي ما أكثر أعدائه كانوا دائماً أبعد من أن يروه، لكنهم في هذه الأيام يركبون كتفيه. هل كان يريد أن يعرف الخبر مبكراً ليعد للأمر عدته فهو يريد أن يرحل في مشهد مهيب يبقي للتاريخ آلاف السنين، أو يعرف قبلها بقليل حتي تقصر فترة المعاناة.
قبيل الفجر دق الباب لم يكن نائماً، لم يعرف النوم الحقيقي منذ فترة طويلة، ربما لم يعرفه منذ سنين طويلة.
بالتأكيد أحس بالخوف، لا يوجد إنسان لا يشعر بالخوف من الموت، إنه الخوف الأكبر في حياة البشرية، وربما أحس رجفة باردة، وبالتأكيد غضبة لأنه أحسها، فلقد درب نفسه عقوداً علي ألا يخاف، وألا يعني له الألم شيئاً.
أنتج العراق في عام ١٩٨٠ فيلماً بعنوان «الأيام الطويلة» ، وهو مأخوذ عن رواية كتبها الشاعر عبدالأمير معلة، ولقد عرفته عندما كان مديراً لهيئة المسرح والسينما وكان شخصاً لطيفاً رقيقاً موالياً للرئيس في حماس شديد، وفيما بعد عرفت أنه توفي دون مقدمات، الأمر الذي أدهشني، ولكن أحدهم قال لي إن عبدالأمير سمع بخبر اعتقال شخص يعرفه،
ولأنه عنصر بارز في حزب البعث، ولأنه مقرب من الرئيس، ولأن ولاءه لم يكن يوماً محل شك، ذهب إلي مبني المخابرات ليؤكد لهم أن الشخص الذي قبض عليه بريء وأنه يشهد شهادة حق في صالحه، وأنه شخصياً يضمن ولاءه برقبته، وعندئذ ـ كما يقول الراوي ـ والله أعلم انهال عليه رجال المخابرات بالضرب حتي مات.
وكان عبدالأمير معلة مهتماً بالفيلم فهو يصور جزءاً من حياة الرئيس وهو صاحب قصته، لذلك اختص المخرج الكبير توفيق صالح به لكي يكتب له السيناريو ويخرجه ولما انتهي الفيلم وقبل عرضه جماهيرياً كان من الطبيعي أن يشاهده الرئيس، ولم يعلق صدام بعد رؤيته للفيلم، وطلب عرضه مرة أخري في موعد تالٍ.
وتجمع أصحاب الفيلم مع مجموعة طلبها صدام حسين بنفسه، وفي الفيلم مشهد يحكي كيف أن شخصاً يخرج رصاصة من قدم صدام أصيب بها وهو يحاول اغتيال الرئيس الأسبق عبدالكريم قاسم.
ولما انتهي الفيلم التفت صدام إلي من استحضرهم ليسألهم واحداً واحداً: لقد شهدت بنفسك واقعة استخراج الرصاصة، لذلك أريد منك أن تشهد بما رأيت، هل بدا علي آنئذ أنني أتألم كما يحدث في هذا الفيلم.
كره أن يبدو عليه الألم حتي وهم يستخرجون الرصاصة من قدمه دون مخدر، وبسكين المطبخ، وتسابقوا في إنكار أن الرئيس أظهر الألم، وقال أحدهم إنه ابتسم وهو يهدئ من جزعهم.
أبداً لا يبدو عليه الألم، وأيضاً لا يبدو عليه الخوف، لكنهم عندما أيقظوه عند الفجر، بالتأكيد أحس بالخوف يسري في جسده، لكنه كان قد وضع هدفاً في رأسه ألا يسمح للإعلام الأمريكي بأن يجد ثغرة في المشهد الرهيب يحوله إلي مهزلة، كما حولوا محاكمته إلي مهزلة سخيفة، كان يريدها كمحاكمة نوريمبرج بشكل أعظم، لكنهم أفسدوها عليه وعليهم.
أخذ يرتدي ملابسه: أثقلها فجو بغداد في هذه الأيام شديد البرودة، والبرد إذا اشتد قد يرعش الصوت أو اليد وهو سيذهب كالعريس إلي عروسه، الشهيد يسعي متلهفاً إلي لقاء الملائكة، ولكن في وقار وتؤدة.
الساعة تمر. قالوا له إن التنفيذ بعد ساعة، ساروا دولة عبر الممرات الطويلة وخطر له أنه أناني إذ لا يفكر إلا في خروجه بطلاً شهيداً، ولا يفكر في العراق.
مملكته وملعبه وحصنه عقودا طويلة، يا للعراق من بعدي! إنهم جميعا لا يعرفون كيف يحكمون العراق، ولا يستطيعون، كان للمصريين مكانة خاصة في نظام صدام وفي قلبه، وكان تفسير ذلك من الكثيرين أنه ولاء منه للفترة التي هرب فيها إلي مصر، وعاش لاجئا سياسيا،
بعد محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم، وكنانري صدام حسين في قهوة أنديانا في الدقي وكانت في الستينيات مكانا لتجمع المثقفين وعلي رأسهم رجاء النقاش وعبدالقادر القط، وكان من العرب الذين يترددون علي المقهي الروائي الكبير ـ فيما بعد ـ عبدالرحمن منيف، الذي كان مسؤولا فيما بعد في وزارة البترول في جزء من زمن صدام.
لكن البعض يفسرون «حب» صدام للمصريين باحتياج العراق إلي عمالة رخيصة وآمنة.
وكانت هناك صفوة قريبة من صدام من بينها: أمين عز الدين وأحمد عباس صالح، وكان الأول ملحقا إعلاميا في السفارة المصرية عند محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم وهو الذي قام بتهريب صدام حسين إلي سوريا ومنها إلي مصر.
وكانت هذه النخبة يفزعها النظام الدموي، وقالوا رأيهم في كياسة للرئيس الذي رد عليهم أنهم لا يعرفون كيف يحكم العراق، وأنه الوحيد الذي يعرف ذلك.. أدخلوه إلي القاعة في غمضة عين واحدة، رأي بعض المجاهدين الملثمين يقتحمون المكان وفي أيديهم الرشاشات:
ـ نحن نعرف أنك لست قلقا يا فخامة الرئيس، لكننا نطمئنك أن الموقف في أيدي رجالك، سيطرنا علي المكان، وقبل ذلك سيطرنا علي البلاد، والآن سنخرج بفخامتك إلي مقر رئاسة الجمهورية، حيث تلقي بيانك الأول، وتبدأ في العودة إلي ممارسة الحكم.
كان هذا حلم يقظته الدائم، يعرف أن الأمريكان أخذوه من عملائهم العراقيين لكي لا يحدث شيء كهذا، لكن الحلم كان يتوالي بأشكال مختلفة، وكان في كثير من الأحيان يلقي فيهم كلمة بليغة.
الملثمون في هذه المرة مختلفون، يثيرون الرعشة.. يا إلهي هذه اللحظات. لا يعرف كم قتل بيديه، إنهم كثيرون وبعضهم عن قرب، وبالطبع لايعرف كم قتل بأوامره أو استلهاما لأوامره.
حكي صدام حسين في ذكرياته ـ وللأسف النص ليس أمامي الآن ـ أن اجتماعهم الأخير قبل الانقلاب اقتحمه مدير المخابرات وقال إنه يعرف أمرهم منذ بدأوا، وأنه يستطيع أن يفشلهم ولكنه لن يفعل لأن النظام لا يستحق الاستمرار، ولذلك فهو سيصمت ويتستر عليهم فإذا فشلوا نكل بهم.
كما توجب عليه وظيفته، وإذا ما نجحوا، فلابد أن يكون شريكاً لهم في الحكم، لأن لولا صمته ما نجحوا.
ووافقوا علي شروط الرجل، لكنهم أخذوا قراراً بتصفيته في الوقت المناسب، واختاروا صدام حسين لهذه المهمة.
ونجح الانقلابيون وحكموا، وتولي الرجل منصباً كبيراً، وعمل معهم، وذات مرة - كما يحكي صدام حسين - كان نازلاً معه علي السلم، ورأي أن هذا هو الوقت المناسب، فأخرج مسدسه وأطلق الرصاص عليه.
وكان يدهشه أن يبالغ الناس عندما يعرفون بمقتل شخص، الموت هو الفصل الثاني من الرواية والرواية لا تكتمل إلا بختامها، ولا أحد يعرف موعده، هذا من علم ربي، البعض يموت بعد يوم أو بعد أسبوع أو بعد أعوام، ولكن عندما يقتل شخص تحدث الصدمة حتي لو كان في الستين.
في كل مرة مارس فيها القتل تخيل أن يقتل، وفي كل مرة أصدر فيها حكم الإعدام، تخيل من يتآمر عليه، صحيح أنه أكثر دهاء من المتآمرين عليه، ولكن ربما نجحوا ولم تكن الفكرة تخيفه، فإن يقتل أو يقتل، هذا من عادات الزمان.
ما آلمه حقاً هو الاستهانة به، حتي هؤلاء الملثمون يصطدمون به وهم يسيرون حوله، ولن ينسي أبداً - رغم قصر الوقت الآتي - أنهم في المحاكمة/المهزلة كانوا يقولون له: أنت!
السفلة يريدون أن يقتلوه اختناقاً، فهو يتنفس كلمات التعظيم والتبجيل، سمعها من الجميع، الكبار والصغار، والمواطنين والزوار، الأمريكان والروس، كانت هذه الكلمات جواز سفرهم إلي كرسيه الأعلي.
قابلت صدام حسين
كنا في أحد المهرجانات، وأخذنا إلي الفندق ستة أشخاص من ستة بلاد عربية، لم يقولوا لنا إلي أين نذهب، لذلك أحسست بالقلق، لكن يبدو أن الآخرين كانوا يتوقعون.
وعندما عرفت إلي أين سنذهب أخذت أستعيد في ذهني هذه اللقاءات وبعضها كان يظهر علي شاشة التليفزيون.
كان الرئيس يقف في القاعة وهو يرتدي حلة عسكرية، وخلفه حارس كظله يرتدي حلة عسكرية، وحوله بعض رجال الدولة أيضاً في حلل عسكرية، ويأتي الضيف الذي سنكون مثله بعد قليل، يسلم علي الرئيس وهو يقول كلمات التعظيم والتبجيل، تلك التي يقتات بها الرئيس.
وبيني وبين نفسي أقسمت بكل ما أقدسه وأحبه أنني لن أقول كلمة مجاملة واحدة، وذكرت نفسي بأنني منذ وقت مبكر قررت ألا أقول كلمة مدح عن حاكم حتي لو أحسن، لذلك تلكأت حتي صرت في آخر الستة.
بدأ الأول بكلمات التعظيم والتبجيل، وقلت لنفسي إنني لو حتي أردت أن أقولها فلن أعرف، الثاني زاد عن الأول بألف مرة أو أكثر، ومن غرائب الحياة أنه كان بعد ذلك أشد المهاجمين لصدام، وعندما كنت أقابله بعد ذلك كنت أفتش في عينيه عن سر الانقلاب علي بطله، ولكن عينيه كانتا دائماً باردتين لا تشيان بشيء، أما الثالث فلقد أضاف إلي الكلام حركة الجسد، فكان يتلوي ويقفز ليؤكد معني التعظيم والتبجيل، وخشيت أن يفهم الحرس الأمر خطأ فيوجهون إليه مسدساتهم، ويكون من نصيبنا بعض الرصاصات.
وصافحت الرئيس.
وسحبت يدي، لكنها لم تنسحب، فلقد أمسك بها، وأدركت - وربما أدرك من حولي - أنه ينتظر مني كلمات التعظيم والتبجيل، لكنني لم أنطق وأنا أتذكر قسمي، مرت ثوان أطول من السنين، وعيناه مثبتتان علي، وكذلك عيون الحرس وكبار رجال الدولة وزملائي في الزيارة الميمونة، وأدركت أنه لن يفلت يدي قبل أن يأخذ «حقه»، وفي لحظة يأس تمتمت بكلام غير مفهوم، لكن ما إن بدأ حتي أفلت يدي.
وتنبه إلي اختيار الموعد، اليوم هو أول أيام عيد الأضحي، وفي هذه الساعة إذ بعدها بقليل يقدم المسلمون أضحياتهم، الأمريكان لا يفهمون هذه الأشياء، لابد أن أحد الخونة اختار لهم الموعد، وشرحه لهم، إنهم يريدون الإساءة إليه، لا عمل لهم إلا هذا، انقلبت كل إنجازاته العظمي إلي بلاء من وجهة نظرهم، لكنهم لا يوجهون إليه الإساءة وحده، إنهم يسيئون إلي الأمة كلها، والأمم لا تنسي.
أظن أن ذلك كان في عام ١٩٨٠، فلقد شاهدت العرض الأول لفيلم «الأيام الطويلة» الذي أشرت إليه، وكانت قد جاءتني أكثر من دعوة، لكنني تقاعست دون سبب واضح حتي اتصل بي الأستاذ صلاح أبوسيف وألح علي في السفر إلي بغداد.
كنت قبل أكثر من عام، ربما كان ذلك في أواخر عام ١٩٧٨ أو أوائل ١٩٧٩، كنت قد كتبت فيلم «القادسية»، جاءني الأستاذ صلاح بفكرة كتابة فيلم عن فتح مصر، أو فتح العراق أو فتح الشام، واخترنا فتح العراق، واقترحت ألا نستغرق في حرب طويلة، ونركز علي المعركة الرئيسية وهي «القادسية»، وكان الفيلم من إنتاج صلاح أبوسيف، وتعاقدت معه، وفاجأني بأنه اتفق مع العراق علي إنتاج الفيلم.
ولا يتصور أحد من كلمة «فاجأني»، أنه كان لدي اعتراض علي ذلك، فلقد كان الانطباع العام أن النظام في العراق الآن عروبي وطني يسعي إلي حماية الوطن الكبير، وإلي التنمية الشاملة، وإلي العدالة الاجتماعية، وأنه يستخدم ثروة العراق النفطية لهذه الغايات، وبالإضافة إلي هذا، فأنه فتح أبوابه للفنانين والأدباء العرب - خاصة المصريين - وفي وقت من الأوقات كانت زيارة صديق مصري في بغداد معناها أنك قد تجد كرم مطاوع وألفريد فرج وأمين إسكندر وإبراهيم الصحن وسعد لبيب أو بعضهم.
وبالطبع كانت كتابة فيلم «القادسية» وبدايات التصوير قبل الحرب العراقية - الإيرانية، وبالطبع كانت هناك بعض الملامح في صالح الجانب الفارسي حسب قواعد الدراما، لكن هذه الملامح أفزعت «الصداميين» فحذفوا بعضها وأضر هذا بدور سعاد حسني التي رفضت البطولة لتمثل الدور الثاني لسيدة فارسية، وكان الفيلم بشكل ما مشروعاً عروبياً، فلقد اشترك فيه ممثلون من مصر وسوريا والكويت والمغرب وتونس، فضلاً عن العراق.
وقف الشهيد الحي صلباً عالي الرأس يحمل بين يديه المصحف الشريف، يرسم صورته أمام التاريخ حتي لو قصم ذلك ظهره كما قصم ظهر مايكل أنجلو وهو يرسم سقف كنيسة سان بطرس.
إنه مرآة الحكام العرب سيرون، وترتعد فرائصهم، لكنه لا تهتز فيه شعرة، إنه وحده يقف أمام الآلة العسكرية الأمريكية، وحده سيعطيهم درس البطولة، ما أشبهه بالحسين الذي وقف أمام الآلة العسكرية الأموية، إنه ينوب وحده عن المستضعفين في العراق وفلسطين ولبنان فليهتف لهم، كل كلمة ينطق بها ستصل إلي الناس، قد يخفونها يوماً أو سنين، لكنها ستتسلل لتلهب ثورة الأمة.
وجاء أحد «العلوج» الملثمين ليضع عصابة علي وجهه، وغضب غضباً شديداً: أعراقي أنت؟! إذا كنت عراقياً فكيف لا تعرف أن رئيسك لا يعرف الخوف.
وانتصر علي الملثمين
يذكر يوم غزا الكويت أن مؤشر الراديو كان يذكر اسم صدام بكل اللغات، اليوم سيذكر الراديو والتليفزيون والصحف والنت اسم صدام بكل اللغات.
وتقدم مهيباً شجاعاً.
ومات وجميع الناس يموتون.
لقد قسم بوش الكعكة، أخذ البترول، وأعطي الأمان لإسرائيل بإزالة قوة عربية عسكرية، وقسم العراق دولاً بين الشعوبيين، وألقي درساً علي الحكام العرب، وحتي صدام منحه ميتة تضعه في مصاف شهداء الحرية

Wednesday, January 03, 2007

أمة في فراش أبي لهب !!

بقلم : محمد أبوكريشةMabokraisha@yahoo.com
Mabokraisha@hotmail.com
لا أحب أن أذكر أسماء أصدقائي أو أقاربي من المحامين أو الأطباء أو رجال الأعمال أو المهندسين أو المدرسين أو غيرهم ممن يشاركونني أوجاعي وأنقل محاوراتي معهم في هذه المساحة وتبدو في آرائهم الحكمة وفصل الخطاب .. لا أحبذ ذكر أسمائهم حتي لا أقع في فخ الدعاية والإعلان المجاني وأفسد الهدف النبيل من الكتابة.. كما ان هؤلاء الأصدقاء يتحدثون معي وليس في ذهنهم ان انقل حديثهم اليكم.. ولو كان ذلك في حسبانهم مانقلت هذا الحديث .. لا أريد أن افسدهم لان الإعلام مفسدة فهو المسئول الأول عن افساد الأطباء والمحامين وغيرهم ممن شغلتهم الأضواء والأهواء عن شرف المهنة ونبل الرسالة. لدي دائماً والحمد لله شاهد أو أكثر من أهل كل مهنة يفتح لي دفتر أحوالها ومستودع اسرارها وكهوف ثعابينها وغابات سباعها.. وما أوتيت ذلك علي علم عندي.. وأنا ايضا شاهد معهم علي أهل مهنتي.. وليس من بيننا شاهد زور أو من يعاني "قصر الذيل" فهو "أزعر" لذلك ينفث سمه وحقده وضغائنه ويحترق قلبه حسدا للناجحين والنجوم. وصديقي المحامي الكبير يعشق دائما أن يتحدانا بألغاز قانونية طريفة ويحلها هو في النهاية وبعد ان "يغلب حمارنا" وتكون في العادة مدخلا لحوار مثمر.. فقد سألنا يوما: هل تعرفون الجريمة التي يعاقب المرء علي الشروع فيها ويحصل علي البراءة والنجومية اذا ارتكبها فعلا؟.. وبعد أن عجزنا قال: هي جريمة قلب نظام الحكم.. ينال الانسان عقابا يصل إلي الإعدام إذا حاول مجرد محاولة قلب نظام الحكم في أي دولة.. لكنه يحصل علي البراءة والنجومية والزعامة اذا قلب نظام الحكم فعلا ونجحت محاولته أو مؤامرته.. ما أجمل هذا اللغز.. وحله أجمل منه فقد فتح لي بابا كان مغلقا دوني واضحكني بقدر ما أبكاني.. فالمؤامرة لن يطلق عليها هذا الوصف أو الاسم إلا إذا فشلت.. ولكنها اذا مضت في طريقها المرسوم ونجحت تحمل اسما آخر رناناً وجميلاً.. فتصبح ثورة أو خطة أو منهجاً أو حركة مباركة أو حركة تصحيح.. أو ثورة انقاذ أو هبة الشعب في وجه الظلم والاستعباد والاستبداد والاستعمار.. واصحاب المؤامرة يسلكون طريقا من اثنين .. طريقا الي القصر اذا نجحوا .. أو طريقا إلي القبر إذا فشلوا. والتاريخ العربي كله بناء شاهق اساسه المؤامرة .. سواء فشلت واحتفظت باسمها أو نجحت فحملت اسم ثورة أو هبة أو حركة أو انتفاضة.. هناك دائما مؤامرة وراء كل حدث عربي.. والمؤامرة تحاك بليل واطرافها مجموعة صغيرة لدي افرادها هدف واحد اجتمعوا عليه.. وفي كل الاحوال لاتري أي تواجد للشعوب التي اعتادت ان تكون مع من غلب.. فإذا نجحت المؤامرة هتفت الشعوب للثورة والحركة والهبة واذا فشلت المؤامرة هتفت الشعوب ضد مدبريها من الخونة والعملاء والمأجورين والجواسيس.. واعلنت تأييدها ومبايعتها لنظام الحكم الذي أحبط المؤامرة وانقذ الوطن من المخطط الشيطاني والتدبير الجهنمي.. فالشعوب العربية منذ عصر الفتنة الكبري والي ان يقضي الله امرا كان مفعولا تبايع الغالب وتلتف حول الكرسي تحمل علي الاعناق من يجلس عليه سواء كان الجالس هو المتآمر الذي نجح أو كان الحاكم الذي أحبط المؤامرة وواصل بقاءه علي الكرسي الملعون. *** لا شرعية ولاقيمة لمن ترك الكرسي في نظر الشعوب سواء تركه بإرادته وهذا لم يحدث إلا قليلاً أو نادرا أو أجبر علي تركه بمؤامرة سميت بعد نجاحها ثورة أو حركة.. والشعوب تنافق وتداهن الكرسي نفسه فهو الصنم المعبود لديها والجالس عليه يتحول بقدرة قادر إلي إله يستحق السجود والركوع والسمع والطاعة وعندما يتركه ينزل فورا من سمائه ليصبح حشرة تدوسها النعال وعندما أراد معاوية بن أبي سفيان أخذ البيعة لابنه يزيد ليكون الخليفة الأموي الثاني تردد الناس لعلمهم بطيش يزيد وقلة خبرته.. وانبري المنافقون فورا لحسم الأمر.. ووقف أحدهم متقلدا سيفه وقال مشيرا إلي معاوية: أمير المؤمنين هذا.. فإن مات فهذا واشار الي يزيد. .. فمن أبي فهذا .. واشار الي سيفه.. فطرب معاوية لقوله وامتثل العرب كدأبهم دوما. وهناك اناس كثيرون صنفهم التاريخ العربي كأبطال .. وآخرون صنفهم كمتآمرين وخونة لاغراض وأمزجة وأهواء لايعلمها إلا الله وأراني الآن اشك كثيرا في هذا التقسيم الذي أحسب أنه مزاجي هوائي لاسند له.. فقد انهزم السلطان قنصوه الغوري في موقعة مرج دابق امام العثمانيين بسبب خيانة خاير بك وفشلت ثورة علي بك الكبير بسبب خيانة قائد جيوشه محمد بك أبي الذهب .. ولم يتحدث كثيرون عن فساد الغوري نفسه وضعفه كما لم يقل أحد ان ثورة علي بك الكبير كانت أيضا مؤامرة علي الخلافة العثمانية.. والخلاصة ان كل المسائل التاريخية العربية منذ عهد الفتنة الكبري فيها قولان.. ونحن دائما بين حدثين أو بين نارين نار المؤامرة ونار من يحبطها - والعرب كشعوب هم وقود المعركة بين المتآمر ومن يحبط مؤامرته.. هم دائما الضحايا ومن يتبق منهم علي قيد الحياة بعد نجاح أو فشل المؤامرة يهتف لمن غلب .. والعراقيون الذين يفجرون انفسهم في بعضهم الان لم يتقدم منهم أحد لتفجير نفسه في صدام حسين وهو في الحكم .. وانتظروا المؤامرة الأمريكية التي أصبحت بعد نجاحها تحريرا وديمقراطية ليهتفوا لها وليضحوا بصدام في العيد.. هتف العراقيون بحياة صدام وهتفوا لموته.. وقاموا بالثورة فوق دبابات أمريكا.. وحملت المؤامرة اسم الثورة.. وهكذا يجري استغضاب العرب فلا يغضبون.. ويجري استفزازهم واهانتهم فيشعرون بالفخر والزهو.. ويسفكون دماء بعضهم لحساب الاخر "الله يخرب بيت الاخر" ويستنسر البغاث في أرض العرب ويستأسد في أمتنا الفأر ويتنمر "الصرصار" وتتفيل الذبابة لأن أمتنا لم يعد فيها شعوب .. ولأن الأمة صارت "أمة" أي جارية تباع وتشتري في أي سوق نخاسة حتي اذا كانت سوقا اثيوبية حبشية.. فقد صارت اثيوبيا في أرض العرب قوة احتلال غاشمة وامبريالية حبشية تصفوية دموية اجتاحت الصومال الذي لايعلم كثيرون انه دولة عربية فقد كانت عروبة الصومال "وش الفقر والنحس عليه" ومنذ قرر الصومال الانضمام إلي الجامعة العربية اختفي من الخريطة لانه شرب سم العروبة.. وأظن ان الصوماليين الآن يلعنون اليوم الذي قرروا فيه ان يصبحوا عربا.. ونفس الفأل السييء والحظ النحس اصاب جيبوتي وجزر القمر حيث لم تنعما بلحظة استقرار منذ أصابتهما لعنة العروبة وانضمتا إلي الجامعة إياها!! *** وقد قيل ان اريتريا كانت تريد الانضمام إلي الجامعة إياها فرفض العرب.. وقيل أيضا ان اريتريا هي التي رفضت وفي كل الأحوال فإنني اهنيء اريتريا بنجاتها وسلامتها لأن كل العرب ومن ينضمون إلي زمرتهم يشربون الآن من الطلمبات الحبشية المسمومة وقد قيل أيضا أن إيران وإسرائيل عرضتا الانضام إلي الجامعة إياها ولكنني لا أظن أن الدولتين وصلتا إلي هذا الحد من البلاهة إلا إذا كان الهدف هو تغيير اسمها إلي الجامعة العبرية أو الفارسية وفي هذه الحالة قد يزول الشؤم ويبطل مفعول السحر الأسود. ولم تنجح السياسة العربية منذ عصر الفتنة الكبري في أن تكون شعبية إلا في جزئية واحدة هي جزئية المؤامرة.. فقد أفلح الرسميون العرب علي مر التاريخ في جعل المؤامرة فلكلوراً شعبياً راسخاً.. وساعدهم علي النجاح أن الشعوب أصيبت بالهشاشة والانهيار النفسي والعجز العقلي والجنسي وفقدان المناعة الفكرية والبيولوجية.. ودائما هناك سبب خارج الإرادة وراء الفشل العام أو الفشل الفردي.. فالرجل العاجز جنسيا الذي يفشل في معاشرة زوجته تعرض لمؤامرة الربط فصار مربوطا..وكل عربي يتعرض لمحنة أو مشكلة في عمله أو أسرته منظور ومحسود "ومضروب عين" وكل امرأة تفشل في بيتها ومع زوجها معمول لها عمل معلق في رجل نملة - فهناك مصطلحات شعبية فلكلورية للمؤامرة مثل المهموز والزمبة والزر والدبوس - ويقول العربي: "فلان فقعني زمبة أو اداني مهموز أو زر أو دبوس" وأنت لا تستطيع ابداء أي ملاحظة أو التحذير من خطأ في العمل أو غيره حتي لا يتهمك الناس بأنك "زمبجي أو موقعاتي أو بتاع مهاميز". نحن في كل شئون حياتنا محاطون بمتآمرين ودساسين وجواسيس ومراقبين يعدون أنفاسنا - دائما هناك مؤامرة - فالحسد مؤامرة والعمل مؤامرة والزنب والمهاميز مؤامرة.. وكلام الناس مؤامرة وأنا دائما في حالة من اثنتين طوال الوقت فإما إنني أتآمر أو أكون ضحية مؤامرة وهذا الاسراف الشعبي في إعلاء التفسير التآمري لكل حدث ولكل نظرة أو ابتسامة أو سلام أو كلام أو موعد أو لقاء يؤكد بما لا يدع أي مساحة لشك أننا منهارون ومصابون بهشاشة العظام والعقل والقلب.. يؤكد ضعفنا وخورنا.. كما يؤكد أننا فاسدون.. والفساد يؤدي إلي الخوف والفزع والمعوج في حياته الأسرية أو العملية هو الذي يصاب بخوف مرضي من التآمر والدسائس.. هناك أخطاء فادحة وفاضحة في سلوكنا تجعلنا مصابين بعقدة المؤامرة والدس والنميمة والوقيعة.. كما أن المناخ العربي كله ملوث وظلامي وليس فيه بصيص ضوء.. مناخ غائم ضبابي انعدمت فيه الرؤية تماما.. لذلك نسير ببطء شديد ونبالغ في الحذر والخوف.. ونعتمد علي التخمين والصدفة ونخبط في كل أمورنا خبط عشواء الليل كما قال الخليفة عبدالملك بن مروان للحجاج بن يوسف الثقفي. *** أنت لا تعرف لماذا تم تصعيد هذا واسقاط هذا.. لماذا تم تقريب فلان وإبعاد الآخر؟ لا نعرف القواعد والمعايير التي جعلت هذا يصعد وغيره يهبط.. لا نعرف الأسس التي علي أساسها تم اختيار زيد واستبعاد عمرو.. لماذا صار هذا نجما لامعا وصار زميله نكرة وخارج الأضواء؟ لا يوجد ما يقنعك بترقية فلان وتخطي فلان.. لا يوجد أي مبرر منطقي لحصولك علي الجائزة وحجبها عني.. لا توجد أي حجة مقنعة للدماء العربية التي تسفك بأيد عربية في فلسطين ولبنان والصومال والسودان والعراق.. لا توجد إجابة شافية للسؤال الأزلي: لماذا يتصارع العرب مع العرب في الوطن الواحد؟ أي شيء ثمن هذا الذي يتقاتلون عليه؟ وتنظر في كل اتجاه فلا تري إلا عظمة تافهة.. ثم يستقر في عقلك ان العرب كلاب.. فلا يتصارع علي العظمة والفضلات إلا الكلاب بشرط أن نكون كلابا ضالة وليست "كلاب لولو" مدللة. وعندما تغيب الشمس ويجن الليل حيث لا قمر ولا كهرباء تصبح العشوائية هي الحاكم وتصير سيدة الموقف وتنهار الجماعية وتسود الفردية ويفعل كل منا ما يحلو له ويرضيه هو.. ولا أحد يقرأ النتائج أو يقدر العواقب فلا عجب بعد ذلك كما يقول صديقي شريف الشناوي أن يلقي أحدهم جاموسة نافقة في النيل أو يصطاد السمك بالسم أو الديناميت.. لا يوجد سقف يجمعنا وكل منا له سقفه الخاص به أو كل منا يتصرف بلا سقف.. ولا عجب أن نعتمد علي المؤامرة في تفسير ما يجري حولنا لأننا لا نفهم.. لا عجب أن نقول أن فلانا صعد وصار نجما بالنفاق أو الفلوس أو الوساطة أو علي جثث الآخرين وأنه تآمر ودس ومارس لعبة المهاميز والوقيعة لإزاحة منافسيه الأكفاء.. لا عجب أن نلجأ للتفسير التآمري أو الغيبي أو العبثي لكل الأحداث لأنه لا يوجد أي منطق في كل ما يجري حولنا من المحيط إلي الخليج.. لأن كل ما يجري حولنا عبث ينتمي إلي مسرح اللامعقول.. وسيفشل كل من يحاول إعمال عقله في أي أمر عربي فردي أو جماعي.. فلا عمل للعقل في هذه الأمة.. بل لا عقل في هذه الأمة.. فقد فر العقل بجلده وقطع المنطق تذكرة ذهاب وغياب.. كل شيء وكل قرار في أمتنا هوائي مزاجي "مودي".. وكل تبرير للكوارث والمصائب في هذه الأمة منحاز وهوائي مثل تبرير صديقي محمد زكي بالفرقة الرابعة بكلية طب طنطا لجرائم الأطباء.. فهو لم يستطع التجرد في أحكامه وتحدث كطبيب لا كإنسان محايد وقال عجبا مثل أن الطبيب ينبغي أن يكون بلا عواطف ولا مشاعر ولا يعبأ بآلام المريض حتي يقوي علي حمل المشرط.. فقد خلط صديقي بين العواطف والانفعالات.. ونسي أن المريض في حاجة إلي مشاعر الطبيب وأخلاقه وإنسانيته اضعاف حاجته إلي العلاج الكيميائي أو المشرط وإلا لأعطينا المشرط لأي جزار يذبح الشاة بلا أي عواطف نحوها. وقال صديقي محمد زكي: لاعيب في أن يفكر الطبيب ويهتم بالفلوس.. وأترك لكم التعليق علي هذه المقولة حتي لا يأخذني غضبي منها إلي الخطأ.. ولكني مع صديقي محمد زكي في قوله إن تدهور حال الأطباء هو جزء من التدهور العام في كل مجال.. وأحيله إلي كلام صديقي الشاب أيمن القفاص الذي قال: كل جريمة الآن عندنا لها تبرير مثل تبرير قتل الطبيب للمريض بأن هذه أعمار وآجال وقضاء وقدر.. ومثل تبرير غباء الآباء في تربية ابنائهم بأنهم يريدون مصلحتهم. وأعود إلي المؤامرة لأؤكد لصديقي المهندس محمود أبوالعلا أن أحداً لا يتآمر علي العرب وان العرب لا يستحقون الآن عناء أو جهد التخطيط والتآمر عليهم.. فقد ماتت الشعوب سريرياً.. واللعب ضدنا أو معنا صار علي المكشوف وفي عز فرحة العيد.. وهناك رهان مضمون علينا بأننا لانغضب ولا نثور ولا ننفعل لأننا عقلاء ومتحضرون وقبلنا الآخر قبولا وقبلناه تقبيلا.. وتحقق فينا قول الشاعر الراحل نزار قباني: لا طفل يولد عندنا إلا وزارت أمه يومنا فراش أبي اللهب.. كل اللصوص من المحيط إلي الخليج يدخنون ويشربون علي حساب أبي لهب.. نحن العرب لم نعد حتي ظاهرة صوتية كما قيل عنا يوما.. بل صرنا ظاهرة جمادية جغرافية.. مكانية.. كل عربي صار سهلا أو هضبة أو تلا أو جبلا أو قطعة أرض.. مجرد مكان لايعترض علي من داسه بالنعال ولا يختار من سيسكنه ويقيم فيه.. العربي لم يعد يضاجع أحدا أو يضاجعه أحد فهو لا يستحق لكنه اصبح السرير الذي تقع فوقه جريمة المضاجعة الحرام.. العربي لم يعد حتي يترك ليشرب من البحر.. بل يتم اجباره علي أن يشرب ماء المجاري من الطلمبات الحبشية.. العربي لم يعد أحد يغتصبه بل صارت مواقعته برضاه.. وهكذا صارت الأمة كلها فراشا ممتدا من المحيط إلي الخليج لأبي لهب!! نظرة: كنت أصاب بالفزع عندما يقول لي أحد أصدقائي من دول الخليج مجيبا: الله يرحم والديك - لأن أبي وأمي علي قيد الحياة ولأن الدعاء بالرحمة ارتبط عندنا بالموت.. ويبدو ان حياتنا صارت عذاباً في عذاب حتي أننا لانري الرحمة إلا بالموت.. وعندما يموت ميتنا نقول: لقد استراح.. ونحن لاندري طبعاً إن كان موته بداية راحة أم بداية عذاب أبدي.. وفلكلور ارتباط الرحمة بالموت فقط اصبح متوارثاً واستقر في ذهن الاحفاد نقلا عن الاجداد.. والناس عندنا يحلفون برحمة أبيهم ورحمة أمهم.. فلا رحمة عندنا إلا لميت.. واذكر ان احد قراء القرآن الكريم أقام دعوي ضد الإذاعة لأن المذيع قال: نستمع الآن إلي تلاوة مباركة من تسجيلات المرحوم الشيخ فلان.. فالرجل رفض ان يكون مرحوما لأنه حي.. ومن يومها كفت الإذاعة عن ذكر لقب المرحوم قبل اسم الشيخ حتي إذا كان ميتاً.. وخرج كل قراء القرآن تماما من رحمة الإذاعة.. وأذكر أن صبيا كان يستمع إلي الآية القرآنية في سورة الاسراء: "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا" وسمعته يقول عقب تلاوة الآية: بعد الشر.. ربنا يخلي بابا وماما!!

Tuesday, December 26, 2006

عمار يا مصر بقلم:عدلي برسوم

تعود أناس كثيرون في آخر يوم من العام المنتهي أن يمزقوا كل الأوراق التي تجمعت في أدراج بيوتهم أو مكاتبهم. يتخلص الناس من أوراقهم القديمة عسي أن تحمل لهم الأيام الجديدة أوراقاً أفضل تجدد حياتهم بالأمل والستر وراحة البال. ولاشك أن هناك أناساً لا يملكون أوراقاً.. لأن حياتهم جافة أو باردة أو راكدة أو ليس فيها شروق أو غروب. والستر في قاموسنا المصري هي الورقة التي يرجوها غالبية المصريين مع مطلع كل عام جديد.. والستر مطلب شديد التواضع.. وهو أن يكون المرء في مصالحة يومية مع لقمة الخبز.. وهو المستوي الذي يتيح له أن يجد عشاء متواضعا لأولاده وأن يوفر لهم الملابس التي يذهبون بها إلي المدرسة الحكومية وأن يستطيع أن يعطيهم العيدية في العيد ولو قروشا قليلة! والباحثون عن الستر لا يمرون أمام واجهات المحلات التي تبيع العطور أو التي تفوح منها رائحة الحلوي الشهية.. أو التي تعرض الملابس الراقية التي يتخفي بداخلها اللصوص! الباحثون عن الستر هم المصريون الذين يفضلون الصلاة في خصوصية هادئة.. وهم الذين لا يحملون كروت الائتمان ولا يدخلون البنوك ولا يشاهدون القنوات الفضائية المشفرة.. وتقتلهم الحسرة حين يحول الاحتكار الفضائي بينهم وبين مشاهدة مباراة يلعبها الأهلي أو منتخب بلدهم.. ويعرفون شرم الشيخ من صور الصحف وأحياناً يتصورون أن القناطر الخيرية تبعد عنهم ألف ميل! وهؤلاء لا يملكون أوراقاً.. حتي أوراق الصحف التي تتجمع لديهم بالمصادفة يبيعونها لبقال الحارة مقابل قطعة صابون! وهؤلاء الباحثون عن الستر لا يملكون أبداً خطابات غرام لأن الفقر يسد أبواب الحب.. وليس في بيوتهم مستندات لأنهم بدون حقوق! كل ما لديهم من أوراق هي فواتير الكهرباء والغاز والتليفونات والمياه والصرف الصحي.. هذا إذا استطاعوا أن يخدعوا الحياة ويسكنوا خارج العشوائيات. وهي فواتير كثيراً ما تصيبهم بالصدمة لأن الحكومة ترفع أسعار الكهرباء والمياه سراً.. ربما لأنها تشعر بأن ما تفعله حرام وعيب وأنه لا يليق بحكومة أن "تخم" الناس. *** أوراق الغلابة هي الفواتير الشهرية التي تسبب لهم وجع القلب.. ولذلك لا يستطيعون التمييز بين عام يمضي وعام يأتي.. لأنهم في كل عام يدفعون مقابل الصرف الصحي الذي يخوضون في مياهه وهم يدخلون ويخرجون من بيوتهم.. وهم يدفعون مقابل النظافة وهو في الحقيقة مقابل ارتفاع أكوام القمامة. ومن عادة الباحثين عن الستر الاحتفاظ بهذه الأوراق أي الفواتير عاماً بعد عام خوفاً من أن تطالبهم الحكومة مرة أخري بما سبق أن دفعوه! لان لديهم شكوكا مزمنة ومخاوف مترسبة وفقدان ثقة وهي شكوك ومخاوف وانعدام ثقة تكبر مع الفقر والقهر! والشعوب التي تمزق أوراقها القديمة في مطلع كل عام جديد هي شعوب لديها قدر معقول من الأمل.. ولديها تفاؤل ولو بمقدار قيراط واحد. وكثيرون بين الباحثين عن الستر وجدوا أبواب الأمل مغلقة في وجوههم حين قيل لهم "أنتم فاشلون لا تصلحون حتي لجمع القمامة.. وسوف نأتي بأجنبي يعلمكم ذلك" وكان ذلك بمثابة تهديد فعلي بأن يستوردوا من الخارج من يعلمنا الأدب والنظام والإنجاب. ووجد طلبة الجامعات أن أبواب المستقبل قد لا تسمح لكثيرين منهم بالمرور إلي عام أفضل حين قبل للفقراء منهم لا يليق بكم سوي المناهج القديمة المتخلفة أما العلوم الحديثة والتكنولوجيا الراقية سوف ننشيء لها أقساما جديدة لا تقدرون علي مصروفاتها. قيل لهم ما معناه ستكونون خدماً وفراشين للصفوة التي تتعلم بفلوسها! ولم يعد هناك فرق بين عام تعيس يمضي وعام تعيس يأتي. ونفس الإحساس ينطبق علي الذين سمعوا وزير التجارة والصناعة يقول إن الإصلاح الاقتصادي سيكون له ضحايا كثيرون.. ومن منا لا يتوقع أن يصبح واحدا من هؤلاء الضحايا.. فكيف يكون الجديد أفضل من العام القديم؟ والذين لا يعنيهم لون الرغيف الذي يعيش عليه غالبية المصريين والذين لا تهمهم اضرابات عمال الاسمنت ولا تمسهم من قريب أو بعيد مشكلة البطالة.. والذين يسخرون من الذين يشكون من ارتفاع الأسعار.. والذين لا يقلق بالهم هبوط الغناء والسينما والمسرح وتناسق الالوان الجميلة.. هؤلاء هم الذين يرتدون الطراطير الملونة ويضعون الأقنعة علي وجوههم لانهم مطمئنون للعام الجديد كما اطمئنوا في العام القديم.. لانهم يملكون الخيوط التي تحرك السعادة لهم وحدهم. أما المعدمون والباحثون عن الستر والسهرانين في استقبال الفجر.. فإنهم يقفون علي أعتاب العام الجديد بدعاء واحد أن تخرج مصر كلها إلي النور. وكما يتمنون الستر لأنفسهم ولأولادهم فهم يتمنون الستر أكثر وأكثر لبلدهم فليس معقولا أن تنقسم الحكومة علي نفسها بشأن منطقة الضبعة.. رجال الاعمال يريدونها لأنفسهم لإقامة منتجعات سياحية بالغة الترف من أجل عيون الغارقين في النعيم وكأنه لا يكفيهم ما هو قائم لهم في شرم الشيخ والغردقة والمدن الجديدة القاصرة عليهم وحدهم. وعلي الجانب الآخر يريدها المصريون قاعدة للمحطة النووية التي سوف تعطي مصر امكانيات هائلة للتحديث وتوفر لها الطاقة الهائلة التي تحقق القوة والعزة. وتري من سوف ينتصر في العام الجديد؟ أولاد مصر أم الذين يرتدون الطراطير والأقنعة الزائفة في سهرات العام الجديد؟ ولعل بسطاء المصريين يحلمون مع العام الجديد أن يسمعوا رأياً واحداً بالنسبة للكادر الخاص للمعلمين مسئولون يقولون إنه للمعلمين فقط أي الذين يمسكون بالطباشيرة وآخرون يقولون إنه سيشمل أيضا الاخصائيين الاجتماعيين. ويسأل بسطاء المصريين لماذا لا يشمل الكادر هؤلاء وهؤلاء لتكون هذه الخطوة المتواضعة من حظ قطاع واسع من المشاركين في العملية التعليمية فلا أحد يعلم ما سوف يحمله العام الجديد من غلاء جديد! *** محمد حامد حسن .. وداعاً عندما تنطفيء شمعة بجوارك عندما يخلو مقعد من روحه الطيبة عندما يخبو النور في غرفة كانت دافئة بشبابها. عندما يسقط القلب لرحيل صديق وصمت قلم. إذن.. لا طعم لعام جديد.

Friday, December 22, 2006

رسوم أكثر زبالة أكثر

المساعى المشكورة لإكثار القمامة ودعم البعد الحضارى
مع أننا فى عصر الإلكترونات والقرية الذكية والحكومة الأكثر ذكاء وبالرغم من البيانات الفظيعة التى تتحدث عن قفزات التنمية ونطات التقدم الاقتصادى الذى يرفرف على ربوع الوطن، فإن مصر بكل تاريخها العريق وحكومتها العميقة وحزبها الوطنى الديموقراطى بفكره الجديد المقلم والكاروهات. كل هذه الهيلمانات ونعجز عن حل أزمة النظافة، أو جمع القمامة. الحكومة ومعها المحافظون بمجالسهم وجلساتهم، ابتكرت أحدث وسائل النشل لسرقة أموال المواطن أضافت رسوم النظافة على فواتير الكهرباء وإيصالات الإيجار وعوائد المحليات وتجمع الملايين والمليارات، والشوارع تزدحم بالزبالة والذباب والمجارى. وتتكوم القمامة لتقف هرما شاهدا على نظافة الحكومة وحزبها والحزب وحكومته والمجتمع والناس. ومازالت الزبالة تتحدى والمحافظون يحافظون على منسوب الزبالة. ويكثرونها، وكلما جمعت الأجهزة المعنية رسوما إضافية للقمامة، تضاعفت الأكوام، وكأن الأموال تستخدم فى إنتاج الزبالة وليس جمعها. ولا تخلو محافظة من محافظات مصر من تكدس للقمامة بكل أشكالها وأنواعها كدليل على البعد الحضارى للحكومة ومحافظيها، ولا يمر يوم دون أن يصرح محافظ الجيزة أو القاهرة بأنه فى طريقه لمواجهة الأزمة بكل صرامة، ويتم فرض مزيد من الرسوم دون أن تنخفض معدلات القمامة لدى الحكومة أو محافظيها. ولا أراكم الله مكروها فى قمامة لديكم

أعمق إجرامًا وأكثر فسادًا

الحزب الوطنى التوربينى فكر جديد نحو المستقبل
بسرعة تحول رمضان عبد الرحمن منصور الشهير بالتوربينى إلى شخصية شهيرة، تتفوق على كل نجوم الإعلام ووزراء الاستثمار وعمر أفندى، فالشاب اغتصب وقتل وألقى بالجثث من فوق القطارات ودفن بعضها ومثّل بالبعض الآخر، كثير من المعلقين أبدوا دهشتهم ورعبهم من ظاهرة التوربينى بالرغم من أنه وأمثاله متوفرون فى الأسواق والشوارع طوال الليل. لكن الدهشة الرئيسية هى أن التوربينى بالرغم من أنه أحد رواد الفكر الجديد لم يثبت حتى الآن أى علاقة له بالحزب الوطنى، الذى يضم بين جوانحه جميع ممثلى الفكر الجديد. ليس فى القتل ولكن فى الاحتكار والفساد والبطلان وغيرها من مفردات الفكر الجديد. ومن الصعب تصور أن التوربينى لم يمر يوما على الحزب الوطنى ولم يشارك فى وضع أى من برامج مؤتمراته العامة التى تنعقد عادة فوق قطار البلد.ومع أن التوربينى صاحب نظرية فى الإجرام. إلا أنه يتضاءل أمام عشرات التوربينى المنتشرين فوق قطارات البلد من كل جانب. وضحاياهم متناثرون فى الطرق وتحت الكبارى وفى المقابر وصناديق القمامة، فضلا عن قاع البحر الذى يحتضن ضحايا ممدوح التوربينى وأصدقاءه فى البرلمان أو الإعلام. وإذا كان التوربينى احتل الصورة وحده وانتزع لنفسه شخصية العام، بالرغم من أن كثيرا من زملائه وشهود قضيته لا يقلون عنه إجراما ولا عنفا. فإن الحزب الوطنى بسياساته ومؤتمراته وأعضائه، يستحق أن يكون الحزب التوربينى الأول ليس فى مصر ولا أفريقيا ولكن فى العالم جمعاء.

انظر فى نصف الكوب الفارغ الأول وتأمل

الإنجازات فى البعيد العاجل.. والمواطن سيحس بها
بمناسبة اقتراب الذكرى السنوية الأولى لتولى الدكتور أحمد نظيف رئاسة الحكومة الثانية، فإن الشعب المصرى يتذكر بكل الفخر والتباهى الإنجازات المهولة التى فعلتها الحكومة المذكورة فى مصر من ارتفاع الأسعار إلى تضاعف أرقام العاطلين والمتضخمين والمرضى. الأمر الذى يؤكد نجاح برنامج الدكتور أحمد ووزرائه من كبار أساطين الفكر الجديد الطالع من قاع المحيطات. وكل يوم يمر تتأكد الرؤية العميقة للحكومة وتتكشف الأغطية عن الإنجاز تلو الإنجاز، بشهادات مضروبة من مؤسسات دولية للتطعيم والايزو.وتعود الإنجازات المذكورة، إلى القراءة العميقة التى قامت بها حكومة الدكتور نظيف، لبرنامج الرئيس، وقد علمنا أن حكومته خصصت حصصا للقراءة والمطالعة، يقوم فيها الوزراء بتسميع برنامج الرئيس على رءوس المرضى، والعاطلين ليتم الشفاء والتوظيف بقدرة قادر. فالبرنامج مبرمج والنتائج التى تحققت تجاوزت المأمول ودخلت فى المعمول. وانداحت نحو التعاضد الانكماشى للإنجاز المهلك. وهناك أزمة بسيطة هى أن المواطن لا يشعر بهذه الإنجازات، على المدى القصير والحاضر، لكنه ربما يشعر بها بعد عمر طويل إن كان له عمر، مثلما أعلن أمين لجنة اللجان والسياسات بالحزب الوطنى الماضى المستمر. ولا يمكن للحزب أن يعترف بكون الفساد والفشل هما السبب فى أن المواطن لا يحس بأى إنجاز من تلك التى تتغنى بها فرقة التصريحات، ولا بالشهادات التى تجهد الجهات المعنية نفسها فى البحث عنها من مؤسسات دولية، تشيد بفداحة الإنجازات، وتبشر المواطن بحياة خضراء عليه وعلى أهله فى القريب البعيد غير العاجل. أو فى المشمش. فالحكومة وحزبها الوطنى يراهنان على الزمن، وأقرب الأجلين، للمواطن طبعا. ولا تجد قيادات الحزب الحاكم من أمثال الأستاذ جمال مبارك وزملائه فى حضانة المستقبل السياسى أى شبه بين ما يقولونه وما سبق أن أعلنه الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء السابق الذى كان يصرح ويتحدث ويعد مثلما يفعلون الآن ويقول إن الشهادات الدولية تشيد بسياساته والجهات العالمية تفرح بإنجازاته ولما رحل أعلنوا أنه كان يقود حكومة من الفاشلين مع أن نصف الحكومة الحالية من أعمال واكتشافات عبيد. والأمر حسب رؤية السيد أمين السياسات أن الحزب الحاكم وحكومته فشلا فى تحسيس المواطن بحجم الإنجازات، مع أنها ليست إنجازات سرية، أو تدور فى بلد آخر، ونتائجها الواضحة هى ارتفاع الأسعار وسوء الأحوال، والعجز والمرض والبطالة، وكلها إنجازات تستحق أى حكومة عليها جائزة الخراب المستعجل. لكن على كل الأحوال على المواطن ألا يشعر بالضيق أو العجز من ارتفاع الأسعار والبطالة وانخفاض العلاج وقيمة الجنيه، وعليه أن ينظر لنصف الكوب الفارغ الثانى، بدلا من النصف الفارغ الأول على اعتبار أن كلا النصفين فارغ وخال من السياسات. وعلى المواطن أن يعتصم بالنظرة الشاملة. وألا تستند إلى الرؤى المعارضة التى يعتبرها السيد جمال وأصدقاؤه من الماضى، بينما نحن نعرف أن نظامنا السياسى من الماضى منتهى الصلاحية، بأكثر من ربع قرن ويستمر ويتواصل بالرغم من أنه استنفد مرات الرسوب.

Wednesday, November 22, 2006

عن الدجاج الفاسد.. والأفكار الفاسدة

كما يرى القارئ فإننا ننشر رد الاستاذ توفيق عبد الحى ليس خوفا من قضايا وإنما هو حقه التام. ولا شك أن قراءة الرد يمكن أن تفيد الباحثين فى معرفة طريقة تفكير أحد الذين شغلوا الرأى العام لفترة طويلة ومازال اسمه مرتبطا بإحدى أخطر قضايا مصر. والتى ربما حسم القضاء بعضها، ومازال البعض الآخر بلا حسم. وكما نرى فإن الرد يكشف عن فكر عميق فى الاقتصاد والتنمية والاجتماع والعلوم والصحة. وقد أوضح لى ما كان غامضا من نشاطاتى فى خدمة المشروع الأمريكى، والصهيوني. مع أن هذا المشروع ليس فى حاجة إلى مجهودات أمثالى بعد أن قدم له كبارات رجال الانفتاح والأمن الغذائى كل ما يمكن تقديمه. لكنه نبهنى إلى أننى حتى وأنا نائم اخدم المشروع إياه، بينما الآخرون مثل الأستاذ توفيق يكافحون هذا المشروع بكل ضراوة من بلجيكا ودول أوروبا. بعد أن سافروا لم يهربوا لمواجهة المشروع فى عقر داره. وقد ذكرنى بأيام كلية العلوم التى افخر بكونى احد خريجيها، قبل دراسة القانون والفلسفة والتاريخ. الذى ينبئنا بأقل مما يجرى فى الواقع. يومها سقط بعض زملائى بفضل الفراخ الفاسدة التى تناولوها فى المدينة الجامعية، ونشرت الصحف يومها أنها من استيراد توفيق عبد الحي. وارتبط الأمر كله باسمه، لدرجة أن أى شحنة غذاء فاسد تعيد لأذهان الناس ذكرى عصر الاستيراد والتصدير، ورواد استيراد لحوم الجوارح وأفخاذ الديناصورات، وبولوبيف الثعابين ولانشون الفئران إلخ. بعد تفجر القضية سافر عبد الحى وهو ما جعله رائدا لكثيرين فى السفر من رجال المرحلة الحالية، الذين استعاروا مليارات من مليارات البنوك. ونقول استعارة حتى لا يتهمنا الأستاذ توفيق بأننا نخرب الاقتصاد والتنمية. ونساعد المشروع الأمريكي. الذى بدأ حسبما نعلم من أيام ثقافة التصدير والاستيراد. أو نتحدث عن الفساد الواضح للعين المجردة. الأستاذ توفيق أرسل لنا أحكاما قضائية ببراءته من سرقة أموال البنوك، لكن أحدا لم يقدم لنا شيئا عمن أدخل الغذاء الفاسد وأصاب المصريين بالفشل الكلوى والكبدى والسرطان.. إلخ. ويرى الأستاذ توفيق أن الحديث عن الفساد يخدم المشروع الأمريكى والصهيونى، وهو اكتشاف جديد لأن هناك تصورا لدى البعض انه لا يخرب البلاد أكثر من مشروع الإفساد المحلى، وإذا لم يكن هناك فساد فكيف تم نهب ما يتجاوز الألف مليار خلال ثلاثين عاما فقط. من المال العام. بعض السادة المنفتحين يراهن على الذاكرة الضعيفة، وأن الناس تنسى، والشعب المصرى طيب. وطالما لم يمت احد من الفراخ الفاسدة أو لحوم الحيوانات الجارحة، فلا ضرر، ولا ضرار من تكرار توريد الأفكار كما سبق توريد الفراخ. على اعتبار أن الأمن الغذائى والفكرى سواء، حسب مدرسة السبعينيات التى قامت على أكتاف أعداء المشروع إياه، مع أن الأفكار الفاسدة يمكن أن تصيب بالتلبك المعوى مثل الفراخ الفاسدة التى لا تزال حتى الآن تحمل اسما واحدا. وكلما أصيب شخص بالتلوث يتذكر فراخ الريادة الملوثة بالسلامونيلا. وهى القضية التى لن تضبط لهروب الجناة وضياع الأدلة. ومن حق الأستاذ توفيق أن يروج أفكاره الكثيرة عن الاقتصاد أو التنمية، والديمقراطية خاصة أن مدرسته لا تزال قائمة، أما أمثالنا من المخربين، ممن لا يعرفون قيمة الأفكار الغذائية ويخشون التسمم الفكري. ربما يمكنهم التعرف على أفكار الأمن الفكرى بعد تلقى التطعيم اللازم. صحيح أن الأستاذ توفيق حصل على براءة فى قضايا القروض، فإن قضية الفراخ والغذاء الفاسد لا تزال معلقة بل إن الصحف التى نشرت عن البراءة فى قضية القروض أشارت إليها بوصفها التى استخدمت فى تمويل صفقة الفراخ الفاسدة الشهيرة. ونحن نتمنى التوفيق للأستاذ توفيق، وكنا نتمنى أن يعود ليخوض معركته هنا ويكشف لنا عمن وراء الغذاء الفاسد، وأن يدخل مصر بجواز سفر مصرى وباسمه المعروف وليس بجواز بلجيكى وباسم مستعار كما جري. يومها ربما نعرف الفرق بين الدجاج الفاسد والأفكار الملوثة بالسلامونيلا.

توتة توتة.. المادة ستة وسبعين حلوة ولا ملتوتة

سوف يسجل التاريخ بنفسه وبدون وسطاء أن مصر سبقت دول العالم الأول والثانى الثالث.. وحتى العشرين، فى شكل وطريقة تعديل موادها الدستورية وليس فقط المادة السادسة والسبعين. ولن ينسى التاريخ أن مصر سبقت العالم بدرجاته وألوانه إلى اختراع مادة دستورية مطاطة، وقابلة للمد والثنى وصالحة للذهاب إلى الأوبرا أو السينما. ومن كثرة ما سوف يسجله فإن التاريخ سوف يشعر بالتعب ويجلس ليستريح من وعاء التعديل الدستورى غير المسبوق والمكون من كافة المواد الغذائية، وبفضل تعليمات السيد رئيس الجمهورية وجهود السادة أعضاء أمانات الحزب الوطنى بفكره الجديد والقديم والبنى والأسود والمقلم. ونراهن أن مصر سوف تحصل على تعديلات دستورية تكفى لإعادة تعويم الحياة السياسية، وتنقلها من الوقوف إلى الجلوس.نقول ذلك بمناسبة الجلسة التى سيعقدها مجلسا الشعب والشورى بمناسبة عودة الدورة البرلمانية التشريعية، والخطاب التاريخى الذى سوف يلقيه السيد رئيس الجمهورية اليوم الأحد، ليحدد فيه كما جرت العادة ملامح المرحلة المرتقبة، والتى يرتقب أن يقوم البرلمان بمراقبتها. ومع أننا لا نضرب الودع ولا نقرأ الطالع فإننا نتوقع الخطاب الذى سوف يلقيه الرئيس لأنه سيكون شبيها بكافة خطاباته السابقة والأسبق، وسيكون مثلها خطابا تاريخيا، وربما جغرافيا، وفراغيا وهندسة تحليلية، وكبدة ومخ. وسوف تكون المادة السادسة والسبعون موضوعا مهمًا لحديث الرئيس الذى سبق له وأعلن وطالب بتعديل المادة نفسها قبل عام وتم تعديلها بصورة عبقرية، يصعب هضمها أو شمها. وهو ما اكتشفه الرئيس، الذى يرأس الحزب والحكومة والجمهورية ويصدر التعليمات ويقر القرارات. والتعديل تم بعد إجراء الانتخابات بطريقة الاستفتاء، حيث نجح الرئيس وصار رئيسا، وأصبح الشعب شعبا، وهو اكتشاف يمكن أن يضاف إلى أهم الاكتشافات العلمية والسياسية التربيعية فى العالم الحديث، بعد الملف. ونتوقع أن تكون تعليمات الرئيس نبراسا للسادة التشريعيين والحكوميين والحزبوطنيين، ليرتعوا ويقضوا أوقاتا طيبة فى ذكر وأعاد تذكير الناس بأهمية تعليمات الرئيس وفكره الثاقب الذى سبق به عصره والعصور التى تليه. وسوف تسجل مصر هدفا جديدا فى مرمى التاريخ بفضل تعديل المادة التى سبق تعديلها لتصبح أكثر اتساعا وشمولا ووضوحا وتربيعا وتكعيبا. وهو ما ينفى الشائعات التى تتردد وتقول إن السادة خبراء القانون والدستور والسياسة عجزوا عن إنتاج مادة دستورية واحدة. المهم أنه بعد خطاب الرئيس سوف يتحرك رئيس مجلس الشعب واوركسترا القاهرة السيمفونى ليتحدثوا عن شجاعة الرئيس واتساع صدره وعمق نظرته العميقة فى الأساس كل هذا بفضل المادة الدستورية التى سوف يتم تعديل تعديلها السابق لتكون متسعة وقوية وكلها حنية. وبعد كل هذا اللت والعجن على المواطن أن يستريح ويضع فى بطنه بطيخ صيفى أو شتوى لأن تعليمات الرئيس خرجت بمصر من العصر الشمولى إلى عمر مكرم وأصبح من حق أى مواطن أن يرشح نفسه بين أكثر من مرشح لينجح الرئيس ومرشح الحزب الوطنى، وتعيش مصر فى تبات ونبات.

ألا ليت الوزارة تعود يوماً فأخبرها بما فعل الشلوت الرهيب!

في برنامج تليفزيوني أبت مقدمته إلا أن تجمع مجموعة من الوزراء وكم كنت أتمني من مقدمة البرنامج أن يكونوا من الحاليين ولكن وصفوا بالسابقين وراحت تمطرهم بوابل من الأسئلة صاروا أمامها من الحياري وادعوا أنهم من المضحين وما كانوا يوما للمنصب من الطالبين، وبتركه غير عابئين بل فرحوا لكونهم الآن من المتحللين وحقيقة الأمر أن لسان حالهم يقول شأن غيرهم من التاركين: ألا ليت المنصب يعود يوماً فأخبره بما فعل الفراغ الرهيب بمنصب الوزير وصاحب المعالي والهيلمان ومواكب تدعي أنها تحقق الأمان، وسيارات مصفحة ومنتجعات وشطآن، ومصالح ومنافع شخصية طوع البنان للأهل والأصدقاء والخلان، ورحلات مكوكية بالدرجة الأولي، وفي صفوف المقدمة قبل أي إنسان، وإعلام لا ينشر إلا ما يسر الخاطر ويطيب الوجدان، وتأمين للمستقبل الشخصي حتي الأحفاد والولدان وتعطل مصالح الجماهير من أجل موكب صاحب المعالي الذي يشار له بالبنان.
إذا بمقدمة البرنامج تسأل بالحرف وتقول لهم: لماذا الشعب يأخذ عنكم فكرة أنكم سيئو السمعة فلا تعيروه سمع يقظان، وأنتم أهل مارينا وفاخر الشواطئ والخلجان، والواحد منكم يدعي علي الشعب فضلاً وهو المنان، وما أنتم إلا إداريون وسكرتارية عند السلطان.
وإذا بأصحاب المعالي السابقين يقعون في حيص بيص وأسقط في أيديهم وزاغت منهم العينان وقال قائلهم لقد عملنا ما يسعد الإنسان وقال آخر كنت أقابل الشعب حتي الغلمان، ويخرج الكثيرون من لقائي وأنا لم أقض الحاجة ولكن الكل فرحان، يعني بكش وكذب علي المواطن الغلبان، وقال ثالث: كنت أتقاضي راتباً بضع مئات شهرياً تنفق علي أهل حراستي الفرسان، ولم يقل بالتالي كيف يعيش وهو يدعي أنه رائد الحرمان، وإذا بالضربة القاضية تقول لهم إن كنتم صادقين فلم تخلفت مصر وعمها الطغيان، ألا يرجع ذلك للحكومات المتعاقبة التي ما فتئت تقدم رجلاً وتؤخر عشراً بكل عنفوان، فاستشاط أصحاب المعالي السابقون غضبا وقالوا: يكفي أن المواطن اليوم عنده دش في العزب والبلدان وطبعاً لم يذكروا مياه الشرب المختلطة بمياه المجاري التي لا تليق حتي بالحيوان.
الحسين محمد حميد

Sunday, November 19, 2006

لأول مرة: رئيس سنغافورة يطير إلى القاهرة على طائرة ركاب عادية

ربما هو الحدث الأول من نوعه في تاريخ العالم، أن يسافر رئيس دولة إلى جانب مسافرين عاديين، على متن طائرة ركاب عادية، ويفاجأ مستقبليه، بأن "الرئيس" الذي أعد له استقبال رسمي، ينزل مع الركاب من دون "مظاهر رئاسية". وأثار الرئيس السنغافوري، أس. أر. ناثان، دهشة المصريين على الصعيدين الشعبي والرسمي بسبب الطريقة البسيطة التي تصرف بها خلال زيارته إلى مصر.
وأصر الرئيس السنغافوري طبقا لتقرير أعده الزميل أشرف الفقي ونشرته صحيفة "الوطن" السعودية الأحد 19-11-2006 على أن يكون ضمن الركاب المسافرين على إحدى الرحلات العادية ولم يستخدم في زيارته إلى مصر أية طائرة خاصة سواء لدى وصوله أو مغادرته لها إلى الأردن المحطة الثانية لجولته العربية التي بدأها بزيارة مصر.
وكانت مراسم رئاسة الجمهورية فوجئت برسالة من الرئيس السنغافوري يبلغهم فيها أنه سيصل إلى العاصمة المصرية على متن طائرة الخطوط الإماراتية، وهو الأمر الذي أصابهم بربكة حيث لم يعتادوا على استقبال رؤساء الدول على متن طائرات ركاب عادية وتم حل الأمر برمته بالسماح بهبوط الطائرة أمام الاستراحة الرئاسية المخصصة لرؤساء وزوار مصر من الشخصيات الكبيرة، وتم فرش البساط الأحمر من سلم الطائرة إلى مقر الاستقبال، فيما كان ركاب الطائرة يتابعون الاستقبال من نوافذها.
أما رحلة الرئيس السنغافوري إلى مدينة الأقصر السياحية المصرية في جنوب البلاد فتمت على رحلة عادية لمصر للطيران حيث تم حجز عدد من مقاعد الدرجة الأولى للرئيس والوفد المرافق له، وامتنع الرئيس عن تأجير طائرة خاصة رغم أن كلفتها لا تتعدى بضعة آلاف من الدولارات الأمريكية.
وقام مسؤولو مصر للطيران بتجهيز الطائرة وإركاب المسافرين إلى الأقصر على متنها ثم سحب الطائرة إلى مكان قريب من الاستراحة الرئاسية حتى يتسنى إجراء مراسم الوداع الرسمية للرئيس والوفد المرافق له.
وقال مصدر دبلوماسي رفيع المستوى في تصريحات للصحيفة: "تصرف الرئيس السنغافوري هو من باب ترشيد الإنفاق في ضوء المخصصات المالية الممنوحة له، رغم أن دخل سنغافورة القومي يتجاوز العديد من الدخول القومية لعدد من الدول العربية مجتمعة".

Tuesday, October 10, 2006

يعيش البرنامج فى محاور النوازل

وعلى المقيمين داخلها الذهاب إلى خارجها
يعيش البرنامج فى محاور النوازل
تحت شعار إحنا اللى اخترعنا البرنامج وبفضل الجهود العبقرية لحكومة الدكتور أحمد نظيف الثانية، دخلت مصر مجال الانطلاق نحو المستقبل، وبفضل تفاعل مخصصات الحزب الوطنى مع محاور برنامج الحكومة، مضافا إليهما بقايا تشريعات مستهدفة، وجلسات تحضير أرواح، أصبحت مصر بالفعل، فى حزام الزلازل. الدكتور أحمد أعلن عقب توليه رئاسة الحكومة الأولى أن برنامج حكومته يقوم على ستة برامج تنقسم إلى عدة محاور. وبعد مرور شهور وسنوات ظلت المشاكل هى نفسها، وبقيت المحاور تتمحور حول البرامج.بقيت قضية البطالة، ومشكلات العلاج، والتعليم والإسكان. ولم يفكر الدكتور نظيف فى تعديل برامجه أو محاوره. بالنسبة لمشكلة البطالة فهى من القضايا المزمنة التى تحتاج إلى سنوات وربما إلى قرون، ولا أحد يتعجل الأمر، العاطلون ينتظرون، والحكومة تسير. أما أطرف ما قدمه الحزب الوطنى وحكومته لمواجهة البطالة هو الإعلان عن وظائف تم توفيرها بفضل مساعى الحكومة والحزب، يتم الإعلان عنها على موقع الحزب الوطنى، كل من سعى للسفر للخارج، هو ممن وفرت لهم الحكومة عملا، مع أنها لا تعرف عنه شيئا. وتعتمد الحكومة وحزبها على أن الناس لن تراجع ما يتم الإعلان عنه ضمن تصريحات المسئولين أو غير المسئولين. أما عن العلاج والمرض فحدث ولا حرج، المستشفيات العامة مقابر، والخاصة مقابر بفلوس، والمريض الذى يواجه الموت، يحتاج إلى قرار بالعلاج على نفقة الدولة، غالبا يصدر بعد الوفاة. لم تتزحزح الحكومة ببرامجها ومحاورها نحو قانون التأمين الصحى المجمد منذ دهور، والذى ورد الحديث عنه فى برنامج الرئيس الانتخابى، وبرنامج الحكومة غير الانتخابية، وبرنامج ساعة لقلبك من إذاعة الحزب الوطنى الحاكم. ولا يهم.. إذا كان المواطن يشعر بكثير من الغلاء، والفوضى، ولا إذا كانت البطالة بالملايين، وأن الأوضاع كما هى، فى الصحة والتموين، والإسكان والتعليم، ولا إذا كانت السحابة السوداء لا تزال سوداء، وأنفلونزا الطيور تعود، المهم أن ينعقد مؤتمر الحزب فى موعده، ولا نعرف إن كان الحزب الوطنى عضوا فى النادى السياسى أم أن الحكومة انضمت إلى هذا النادى فى وقت من الأوقات، لكن النتيجة أن كليهما الحزب وحكومته يصران على أن ما يجرى من إنجازات هائلة ورهيبة، هو أمر فظيع وغير مسبوق، وإذا تساءل مواطن عن التناقض بين التصريحات والأفعال، فسوف يخرج له قيادات الحزب ألسنتهم ليؤكدوا له ولكل من تسول له نفسه، أن الفكر الجديد فى الحزب القديم هو فى حد ذاته الإنجاز.. المدهش أن هناك من يندهش من مهاجمة الحكومة والحزب الوطنى، ويدعو بعض السادة أعضاء الحزب الوطنى الأصليين والمنتسبين والملحقين والمنتدبين، إلى عدم مهاجمة الحزب ومؤتمره، وقلبه وأفراحه، على اعتبار أن الحزب يقود قوافل التغيير، ويقدم عروضا مسلية، تتفوق على ساعة لقلبك، أو قدمك أو رأسك.

Thursday, October 05, 2006

يا أمة ضحكت من "وكستها" الأمم!

عندما قامت إسرائيل في عام ١٩٨٨ بإطلاق أول قمر صناعي لها في خطوة وصفت بأنها نقلة علمية عملاقة، لم تقف مصر مكتوفة الأيدي.. في الأسبوع ذاته تم إطلاق الرغيف الطباقي في الأسواق، وأذكر أن وزير التموين في ذلك الوقت أطل علي الناس من تليفزيون الريادة في مؤتمر صحفي حاشد، وتحدث ملياً عن الحدث الذي طال انتظاره، وبشّر الجماهير بأن الرغيف الطباقي زنة ٩٠ جراماً ليس آخر ابداعات وزارته، وإنما الخبراء في المخبز الآلي الجديد عاكفون علي تطوير أجيال جديدة من الرغيف، بعضها محمص و بعضها بدون ردة، وقد أجاب سيادته عن أسئلة الصحفيين وأعلن أن زمن التصاق وش الرغيف بقفاه قد ولّي بغير رجعة، وأن الأجيال الجديدة من الطباقي ستتميز بالدقة في المعايير والمكونات والمدي الذي تغطيه المخابز ،وإصابة الهدف الذي هو في النهاية ملء بطون أبناء مصر. ومع هذا فقد أحس المصريون وقتها بأن الرغيف الطباقي ربما يكون معجونا بالماء الثقيل «قبل تنقيته من المجاري» وتناولوا سيرته بسوء، كذلك حاول بعض الرعاع المشككين(الذين يأكلون شُكُك) أن يثيروا اللغط حول البرنامج الطباقي، وحاولوا أن يعقدوا مقارنة سخيفة بين القمر الصناعي الذي أطلقته إسرائيل بغرض التجسس علي البلاد العربية و بين برنامج مصر الطموح للعيش السُخن، و لكن كتيبة الصحفيين الذواقة الذين حصل بعضهم - في تمييز واضح - علي ألف عيش (ألف عيش بلغة الأفران تعني ٢٠ رغيفا) - أقول إنهم وقد أسكرتهم طعامة الرغيف مع الجبنة بقوطة «كان هذا قبل عصر البعرور والأوزي» - انطلقوا يدافعون عن فكر الحزب الوطني في صيانة الأمن القومي المصري وركيزته الأساسية «الرغيف» وقاموا بإفهام الجمهور الجاهل بأن مصر منذ أن اعتمدت السلام خياراً استراتيجياً لها ومنذ أن آمنت بأن حرب أكتوبر هي آخر الحروب، أصبحت تري أن رفاهية شعب مصر أهم من أقمار التجسس أو السلاح المتطور الذي يغري بالحروب، و لما تساءل البعض عن كيفية حماية الرغيف الطباقي من الوحش الذري الرابض علي الحدود، كان الرد المفحم: بالسلام وبمزيد من السلام!
وهكذا مضت المسيرة سنة وراء سنة حتي دخلت الدنيا في عصر القنوات التي تبثها أقمار صناعية مزروعة في الفضاء.. ومرة أخري تعلو أصوات المشاغبين وأهل «اللماضة» يطالبون بأن نشارك في تصنيع القمر الذي ننوي شراءه و أن نشترط علي الدولة الموردة أن يقوم المهندسون والفنيون المصريون بالاطلاع والمشاركة في كل مراحل تصنيع القمر حتي يكتسبوا الخبرة والمعرفة التقنية كما فعلت الهند.. لا أن نشتري قمراً جاهزاً «تسليم مفتاح» دون أن نتعلم شيئاً. لكن الحكماء كالعادة يتدخلون في الوقت المناسب لينزعوا فتيل الفتنة و يفسروا للبسطاء ما استعصي عليهم، ويتم استدعاء شيوخ الحزب الوطني الذين يقدمون تفسيراً لوذعياً للأمر، ويشرحون للناس أننا خير أمة أخرجت للناس، وأن الله كما سخر لنا الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لنا الأنعام، كذلك سخر لنا الخواجة الأجنبي الذي يسهر في معمله يفكر ويبتكر ويخترع ويصنع أدوات الحضارة من تليفزيون و تليفون و طائرة و سيارة وبلاي ستيشن، ثم نحصل عليها ونحن علي الشلت قعود دون بذل أي مجهود.. فهل نكفر بالنعمة ونقوم نحن بالتفكير والاختراع ونمنح الكفرة خلاصة عقولنا علي الجاهز؟!.
وتمر الأيام ويندثر المشروع القومي للرغيف الطباقي الذي أطلقه علماء الحزب الوطني كبديل آمن عن الأقمار والصواريخ، ويبقي الرغيف الخنفشاري قاسي الوجه والسمات، ويقال إن ضغوطا أمريكية كانت وراء إيقاف البرنامج!.
في الوقت نفسه، أسفرت فضائيات الريادة المنطلقة من أقمار الخواجة «المغفل» عن مواد وبرامج في أكثر من ثلاثين قناة، من فرط حلاوتها جعلت النفس «تجزع» فلم يعد يراها أحد.
وهكذا.. في كل مرة واجهنا تحديا يقتضي استنفاراً علمياً واحتشاداً ذهنياً ونفسياً كان الحزب الوطني يؤثر البعد عن وجع الرأس ويعتصم بالحكمة ويلوذ بالكسل اللذيذ لحمايتنا من التيارات الوافدة، ولم يجد الحزب الوطني أبدا في صفره الكبير ما يدعو للخجل، لأنه علي الأقل يدرأ عنا حسد الحاسدين.
فما الذي حدث يا تري وجعل حزبنا الطباقي يغير اتجاهاته العلمية وتقاليده الراسخة التي عودنا عليها، وينحو فجأة جهة المفاعلات النووية التي طالما خوّفنا منها لأنها قد تفعل بنا ما أحدثه مفاعل تشرنوبيل الشرير بأهل أوكرانيا؟!
لن أدع الحيرة تستبد بي، فأياً كانت الإجابة فالحزب الوطني دائما يعرف أكثر، ومن الحماقة عدم تصديق قياداته، ومن الحماقة أيضا تصديق أصحاب الغرض الآثمون من القلة الحاقدة والشرذمة المندسة وسط الجماهير الشريفة، تروج لمقولات فارغة، ما أنزل الله بها من سلطان، من عينة أن الحزب الوطني إذا قال قولة حق.. فابحث عن السبوبة!.
كلمة أخيرة:
قال الشاعر فؤاد قاعود: غابت مفاتيح الأمان.. وما أسعفتش الكهانه
ما عدت عارف حاطط راسي ع المخدة.. ولاّ مريحها علي دانه
الكارثة مش باينه ملامحها.. لكنها جيانا جيانا